يقتص منه أحجم ولم يقدم على الفعل، فيكون في ذلك سبب حياته وحياة الذي هم به وروى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء. وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كانت عنده لأخيه مظلمة فليتحلله منها، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه؛ وهذا حديث صحيح رواه البخاري: فإن قيل: يعارضه قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(الأنعام: ١٦٤) . فكيف يؤخذ الظالم بذنب ركبه المظلوم؟ قلنا: معنى الآية أنه لا يعاقب أحد بذنب أحد ابتداء، وأما في مسألتنا فمظلمة بقيت عنده وليس له وفاء بها فهو الذي اكتسب هذا الوزر وهو المعنى بقوله تعالى:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ}(العنكبوت: ١٣) .
وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى لمنزله في الجنة منه لمنزله في الدنيا. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل موته: من كانت له عندي مظلمة فليأت حتى أقصه من نفسي. فقام سواد بن غزية فقال: يا رسول الله إنك ضربتني على بطني ليلة العقبة فأوجعتني! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دونك فاقتص. فقال يا رسول الله إنك ضربتني وأنا مكشوف البطن، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم بطنه، فإذا هي كالقباطي يعني ثياب مصر، فأكب عليه يقبله فقال: يا سواد ما حملك على هذا؟ فقال: يا رسول الله دنا لقاء هؤلاء المشركين فأردت أن يكون آخر العهد بك أن أقبل بطنك. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه، مع أن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لعلمه أن الله تعالى لا يدع القصاص في المظالم بين العباد، لأن الله تعالى أعدل من أن يدع مظلمة لأحد عند نبي ولا غيره.
وفي الحديث: يقول الله تعالى يوم القيامة: أنا ظالم إن فاتني ظلم ظالم. ويروى أن داود عليه السلم يقدمه خصمه إلى الله تعالى يوم القيامة فيقضي له عليه، فيدفعه إلى أوريا ثم يستوهبه الله تعالى من أوريا، ثم يعوض أوريا على ذلك الجنة. وقال حبيب: دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه فوجد غلامه يعلف ناقة له، وإذا في علفها شيء فأخذ بأذنه فعركها ثم ندم فقال للغلام: قم فاقتص مني! فأبى الغلام فلم يزل به حتى قام فأخذ بأذنه ثم قال له: اعرك اعرك، وهو يقول شد شد حتى عرف عثمان أنه بلغ منه ثم قال: واهاً لقصاص الدنيا قبل قصاص الآخرة! وروى عوف بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا خادماً فلم يجيه أو كان نائماً، فقال النبي صلى الله لولا القصاص لأوجعتك ضرباً. وروى ابن وهب في موطاه عن ابن شهاب قال: وقد أقاد النبي صلى الله عليه وسلم والخليفتان بعده رضي الله عنهما من أنفسهم ليستن بهم، ولم يتعمدوا حيفاً وكانوا سلاطين.
وفي صحيح مسلم: روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، فيأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه من خطاياهم فطرحت عليه ثم ألقي في النار، قال مالك رحمه الله: وبلغني أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما ولي الخلافة ضرب رجلاً ثم ندم وقال: مالي ولهذا ألا رددتها عليهم؟ فسمعته عائشة رضي الله عنها فأرسلت إلى