للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أرمى الناس أن يقتل بسهمه واحداً، لكن رمية عاقل زكين يقتل الجيش بأسره. والملك الشريف العاقل لا ينفذ فيه قدح أهل البغي، فمن انقطع إليه ولزمه كالجوهر المضيء بنوره لا يطفئه عصوف الرياح. من كان قابلاً لما يرد عليه في بقائه وكل قول يسمعه، كان كالسراج تميل به كل ريح لينة ثم لا يلبث إن عصفت الريح أن يطفأ. تدبير الملك الحازم في سلطانه كتعاهد صاحب البستان بستانه، يخرج قاحل عيدانه وشوك شجره، فيحيط به على ثمره وزرعه ليقيه عن الشر والفساد، كما ينتخب الملك أهل الشكيمة والشوكة فيجعلهم في أقاصيه وحدوده رداً للمملكة. وليكن الملك أحذر ما يكون آمن ما يكون. قلت وقد صدق الشاعر:

أأمنتم ريب الزمان فنمتم

رب خوف مكمن في أمان

قال: ألا ترى أن بهرسان الملك أنامت المرأة على فراشه رجلاً فلما رام فراشه وثب عليه فقتله. وباسراج الملك قتلته امرأته بخلخال مسموم. ودروق الملك قتلته امرأته بمدية خبأتها في عقاصها، واعلم أن العدو قد علم منك مواضع الحذر وحالات الأمن، وإنما ترصده لك في حالات الأمن والمواضع التي تظن أن العدو لا يكمن فيها، فكن احذر ما تكون فيها. وسائر حكم هذا الباب قد قدمتها في تراجم كتابنا.

فصل:

قال غيره: لا ينبغي للملك أن تكون له أيام معلومة يظهر فيها فإن في ذلك خصالاً مذمومة. منها أنه قد يعوق في ذلك اليوم ممسك مهم أو بعض الكسل أو لذة مغتنمة، فيلزمه الخروج على كره. ومنها أنه إذا تخلف عن الظهور لأمر ما تطاولت الأعناق من الرعية وكثر كلامها وقالوا: مرض أو مات أو أصابته آفة، فيكسب العدو جراءة وسروراً ويكسب الولي حزناً وجبناً. ومنها أنه قد واعد عدوه ليوم يلتقيان فيه، ولا ينبغي أن يكون الملك كثير التصرف عند فساد الزمان وخبث الرعية، وعن هذا قالت الحكماء: إذا كان الجمل كثير النفر كان نصيب الذئب.

فصل من نوادر كلام العرب:

من حكم أكثم بن صيفي، وهذا رجل كان له عقل وحلم ومعرفة وتجربة، وقد علق الناس عنه حكماً لطيفة وألفوا فيها تصانيف. فمن حكمه قال: من فسدت بطانته كان كمن غص بالماء، أفضل من السؤال ركوب الأهوال من حسد الناس بدأ بمضرة نفسه، والعديم من احتاج إلى لئيم. من لم يعتبر فقد خسر. ما كل عثرة تقال ولا كل فرصة تنال. لا وفاء لمن ليس له حياء. قد يشهر السلاح في بعض المزاح. من وفى بالعهد فاز بالحمد. الموت يدنو والمرء يلهو. طول الغضب يورث الوصب. رب عتق شر من رق. من اصطنع قوماً ما احتاج إليهم يوماً ما الكذب بهت والخلف مقت. من لم يكف أذاه لقي ما ساءه. الحر يتقاضى لك من نفسه واللئيم يستحسن تسويفه وحبسه.

ليس بإنسان من ليس له أخوان. أنت مزر بنفسك إن صحبت من هو دونك. عليك بالمجاملة لمن لا تدوم له مواصلة. في الأسفار يبدو الاختيار. أفسد كل حسب من ليس له أدب. أفضل الفعال صيانة العرض بالمال. ليس من خادن الجهول بذي معقول. ليس للملحف مثل الرد. من جالس الجهال فليستعد لقيل وقال. وقال: ما جلا عنك النسيان مثل البيان، ولا نفي عنك البهتان مثل البرهان. لم ينج من الموت غني لماله ولا فقير لإقلاله. إذا ما أردت طرد الحر فسمه الهوان. كثرة العلل آية النحل.

<<  <   >  >>