قال: ووجد عليه نسراً واقعاً فدعاه، فقال له: من بنى هذا القصر؟ فقال: لا أدري. فقال: كم لك منذ وقعت عليه؟ قال: تسعمائة سنة. وفي الأمثال: يظن بالمرء ما ظن بخليله. ولما حج عبد الله بن جعفر نزل بمكة ليلاً، فلما أصبح قال: يا أهل مكة عرفنا خياركم من شراركم في ليلة واحدة. قالوا: كيف ذلك؟ قال: نزلنا ومعنا أخيار وأشرار، فنزل أخيارنا على أخياركم وأشرارنا على أشراركم فعرفناكم. واعلم أنه ليس الدخان على النار بأدل من الصاحب على الصاحب. وقال الأوزاعي: الصاحب كالرقعة في الثوب، إن لم تكن من مثله شانته. وقال مالك بن مسمع للأحنف بن قيس: يا أبا بحر ما أشتاق إلى غائب إذا حضرت، ولا أنتفع بحاضر إذا غبت؛ فأخذه إبراهيم الكاتب فنظمه فقال:
وأنت الهوى من بينهم
وأنت الحبيب وأنت المطاع
وما بك إن بعدوا وحدة
وما معهم إن بعدت اجتماع
وقال عبد الله بن طاهر: المال غاد ورائح والسلطان ظل زائل، والإخوان كنوز وافرة. وقال الأصمعي: تناظر رجلان وأعرابي حاضر فقال لأحدهما: مناظرة مثلك في الدين فرض والاستماع منك أدب، ومجالستك زين ومعرفتك عز، ومذاكرتك تلقيح للعقول وشحذ وإخاؤك شرف وفخر. وقال السمناني: غنى مخارق بين يدي المأمون:
وإني لمشتاق إلى ظل صاحب
يروق ويصفو إن كدرت عليه
عذيري من الإنسان لا إن جفوته
صفا لي ولا إن صرت طوع يديه
فطرب المأمون وقال: ويحك يا مخارق خذ مني نصف الخلافة وأعطني هذا الإنسان! وقالت الحكماء: النظر في عواقب الأمور تلقيح للعقول. وقالوا: العاقل لا تنقطع صداقته والأحمق لا تدوم مودته، فاتخذ من نصحاء أصحابك مرآة لطبائعك وفعائلك كما تتخذ لوجهك المرآة المجلية، فإنك إلى إصلاح طبائعك أحوج منك إلى تحسين صورتك. وقال المأمون للحسن بن سهل: نظرت في اللذات فوجدتها كلها مملولة خلا سبعة. قال: وما السبع يا أمير المؤمنين؟ قال: خبز الحنطة ولحم الغنم والماء البارد والثوب الناعم، والرائحة الطيبة والفراش الوطيء والنظر إلى الحسن من كل شيء. قال: فأين أنت يا أمير المؤمنين من محادثة الرجال؟ قال: صدقت وهي أولاهن. وقال هشام بن عبد الملك: قد قضيت الوطر من كل شيء فأكلت الحلو والحامض حتى لا أجد منهما طعماً، وشممت الطيب حتى لا أجد له رائحة، وأتيت النساء حتى ما أبالي امرأة أتيت أم حائطاً، فما وجدت شيئاً ألذ من جليس سقطت بيني وبينه مؤونة التحفظ.
وقال عبد الملك بن مروان: قد قضيت الوطر من كل شيء إلا من مجالسة الأصحاب، ومحادثة الإخوان في الليالي الزهر على