(٢) ينظر: المعاملات المالية المعاصرة لمحمد شبير (ص: ١٢). (٣) ينظر: معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء د. نزيه حماد (ص ٢٣٧). (٤) من المعروف أن الناس في بداية الحياة البشرية كانوا يتبادلون الأشياء عن طريق المقايضة Barter، ولكن هذا الطريق كان فيه من المشقة ما تمنع من استعمالها كطريق عام يصلح في كل زمان ومكان. فراج بعد ذلك نظام آخر يسمى "نظام النقود السلعية" (Commodity money System)، وذلك أن الناس قد اختاروا بعض السلع لتستعمل استعمال الأثمان في معظم عقود المبادلة، وانتقيت من أجل ذلك سلع يكثر استعمالها، وتشتد الحاجة إليها في بيئة خاصة، كالحبوب الغذائية والملح والجلود وما إلى ذلك. = =ولكن استعمال هذه السلع في التبادل كان فيه من مشاكل الحمل والنقل ما لا يخفى، فلما كثر العمران وازدادت الحاجات وكثرت المبادلات، شعر الناس بحاجة إلى اختيار نقد يخف حمله، وتتوفر ثقة الناس به. ولقد مرت النقود بعدت تطورات كثيرة ففي البداية استعمل الناس الذهب والفضة كسلع نقدية في صورة قطع متباينة الحجم والوزن والنقاء، ثم شرع الناس في سبك النقود من الذهب في بعض البلاد، ومن الفضة في بلاد أخرى. ثم إن القطع النقدية، سواء كانت من الذهب أو من الفضة، وإن كان يخف حملها بالنسبة إلى السلع النقدية، ولكنها في جانب آخر يسهل سرقتها في نفس الوقت، وكان من الصعب على الأثرياء أن يخزنوا كميات كبيرة من هذه القطع في بيوتهم، فجعلوا يودعون هذه الكميات الكبيرة عند بعض الصاغة والصيارفة، وكان هؤلاء الصاغة والصيارفة عندما يقبلون هذه الودائع يسلمون إلى المودعين أوراقا كوثائق أو إيصالات (Receipts) لتلك الودائع، ولما ازدادت ثقة الناس بهؤلاء الصاغة صارت هذه الإيصالات تستعمل في دفع الثمن عند البياعات، فكان المشتري بدل أن يدفع القيمة. ولما كثر تداول الإيصالات في السوق في مطلع القرن السابع عشر الميلادي تطورت هذه الأوراق إلى صورة رسمية تسمى " البنكنوت " ويقال: إن بنك إستاك هوم بالسويد أول من أصدرها كأوراق نقدية. وكانت هذه الأوراق النقدية آنذاك مغطاة بغطاء كامل عند البنك الذي أصدرها، ومدعومة بالذهب بنسبة مائة في المائة، وكان البنك يلتزم بأن لا يصدر هذه الأوراق إلا بقدر ما عنده من ذهب. وكان لكل من يحمل هذه الأوراق أن يذهب بها متى شاء إلى البنك، ويحول ما شاء منها إلى سبائك الذهب، ومن هنا يسمى هذا النظام "قاعدة سبيكة الذهب" (Gold bullion Standard). ولكن بعد ذلك واجهت الحكومات مشاكل تمويل مشاريعها في السلع والحرب مع قلة ريعها، فلجأت إلى طبع كميات كبيرة من النقود الورقية، تزيد عن كمية الذهب الموجودة عندهم؛ لتستعملها في سد حاجاتها، فصار غطاء الأوراق النقدية يتناقص شيئا فشيئا، وهبطت نسبة= =دعمها بالذهب الحقيقي عن المائة في المائة إلى نسبة أدنى بكثير؛ وقد ظل العمل بهذه القاعدة مستمرا إلى أن واجهت الولايات المتحدة أزمة شديدة في سعر دولارها، وتدفق الذهب منها في سنة ١٩٧١ م فاضطرت إلى إيقاف تحويل الدولار إلى الذهب للدول الأخرى أيضا، وذلك للخامس عشر من شهر أغسطس سنة ١٩٧١ م وبهذا قد قضي على آخر شكل من دعم الأوراق بالذهب. وفي سنة ١٩٧٤ م اختار "الصندوق المالي العالمي " (International Monetary Fund) فكرة " حقوق السحب الخاصة " (Special Drawing Rights) كبديل لاحتياطي الذهب. وحاصل ذلك أن أعضاء هذا الصندوق يستحقون سحب كمية معينة من عملات شتى الدول لأداء ديونهم إلى الدول الأجنبية الأخرى، واعتبر ٨٨٨٦٧٦ جراما من الذهب كعيار لتعيين هذه الكمية، وإن حقهم لسحب هذه الكمية اعتبر بديلا لاحتياطي الذهب. وهكذا أصبح الذهب خارجا عن نطاق النقود بتاتا، وأصبحت الأوراق النقدية الرمزية تحتل مكانه من كل ناحية. وأن الأوراق النقدية لا تمثل اليوم ذهبا ولا فضة، وإنما تمثل عرضاً بذاتها، وهي قائمة مقام الذهب والفضة في كونها ثمن للأشياء. فالنقود في التعريف الاصطلاحي: تطلق على جميع ما يتعامل به الناس، من دنانير ذهبية، ودراهم فضية، وفلوس نحاسية، بل حتى ولو كانت من جلود. فهي وسيلة للتبادل، ومعيار للسلع والخدمات، على أية حال كانت. فالنقود ليست مقصورة عنده على الذهب والفضة، بل يمكن أن تكون من الجلد أو من أي شيء آخر، فأي سلعة ما اذا اتخذت نقداً، طغت استعمالاتها النقدية على استعمالاتها السلعية الأخرى كما هو معروف اليوم في علم النقود. يقول شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوي ٤/ ٤٥٥: «وما سماه الناس درهماً، وتعاملوا به، تكون أحكامه أحكام الدرهم من وجوب الزكاة فيما يبلغ مئتين منه، والقطع بسرقة ثلاثة دارهم منه، إلى غير ذلك من الأحكام، قل ما فيه من الفضة أو كثر، وكذا ما سمي ديناراً … ». وعلى هذا فهي تأخذ حكم الذهب والفضة، فتجب فيها الزكاة، ويجري فيها الربا. ينظر: [أحكام الأوراق النقدية والتجارية، نظرية الأوراق النقدية، بحوث في قضايا فقهية معاصرة].