عبد الله بن مسعود، عن أبيه، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«نضّر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها، فأدّاها كما سمعها، فربّ حامل فقه ليس بفقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه»(١). قال بعض شيوخنا رحمهم الله: ومعنى قوله: «نضّر الله امرءا»: الدعاء له بالنّضارة، وهي النّعمة والبهجة، يقال: نضّر الله وجهه ونضره بالتخفيف. وقال الحميديّ: سمعت سفيان بن عيينة يقول: ما من أحد يطلب الحديث إلاّ وفي وجهه نضرة، لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«نضّر الله امرءا سمع منّي حديثا فبلّغه».
وفي قوله:«ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» دليل على كراهية اختصار الحديث لمن ليس بالمتناهي في الفقه؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد قطع طريق الاستنباط على من بعده ممّن هو أفقه منه.
وفيه بيان أنّ الفقه هو: الاستنباط والاستدراك في معاني الكلام من طريق التفهّم. وفي ضمنه بيان وجوب التفقّه، والحثّ على معاني الحديث، واستخراج المكنون من سرّه، وفيه أيضا بيان في ترتيب الكلام وتنزيله منازله.
ألا تراه عليه السّلام، كيف رتّب الوعي على الحفظ فاشترط عليه الحفظ أوّلا، وهو تلقّف الألفاظ وجمعها في صدره، ثم أمره بالوعي، وهو مراقبته إياه بالذّكر وتخوّلها بالرّعاية والاستصحاب لها إلى أن يؤدّيها، فخرج من العهدة فيها.
(١) حديث صحيح، أخرجه الشافعي في مسنده ١/ ١٤، وفي الرسالة له (١١٠٢)، والحميدي (٨٨)، وأحمد ١/ ٤٣٦، والترمذي (٢٦٥٧)، وابن ماجة (٢٣٢)، وأبو يعلى (٥١٢٦) و (٥٢٩٦)، وابن حبان (٦٦) و (٦٨) و (٦٩)، والشاشي (٢٧٥) و (٢٧٦) و (٢٧٧)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (٦) و (٧) و (٨)، والحاكم في معرفة علوم الحديث ٣٢٢، وأبو نعيم في الحلية ٧/ ٣٣١، والبيهقي في دلائل النبوة ١/ ٢٣ و ٦/ ٥٤٠، وفي المعرفة له (٤٤) و (٤٦)، والخطيب في الكفاية ٢٩ و ١٧٣، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (٤٥)، والبغوي (١١٢).