واعلموا، وفّقكم الله، أنّ في الإجازة فائدتين، إحداهما: استعجال الرواية عند الضّرورات، والثانية: الاستكثار من المرويّ حتى لا يكاد أن يشذّ عمّن استكثر من الروايات حديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلا وقد احتوت روايته عليه فيتخلّص بذلك من الحرج في حكاية كلامه من غير رواية. فقد سمعت الخطباء على المنابر، وأعيان الناس في المشاهد والمحاضر، يذكرون أقوال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا رواية عندهم لها. وقد اتّفق العلماء، رحمهم الله، على أنه لا يصحّ لمسلم أن يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذا، حتى يكون عند ذلك القول مرويّا ولو على أقلّ وجوه الرّوايات، لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار»، وفي بعض الروايات:«من كذب عليّ. . .» مطلقا دون تقييد (١).
ومن وظائف الحمل أيضا: تقديم حسن النّية، وأن يزيد بروايته للحديث استفادة التفقّه فيه، والعمل بما يستفيده منه، ويبلّغه إلى مستحقّه. وفي هذه الفصول أخبار وآثار تركنا ايرادها مخافة التطويل.
منها: ما حدّثنا به الشيخ أبو الحسن يونس بن محمد بن مغيث، رحمه الله، قال، حدّثني جدّي مغيث بن محمد بن يونس، عن جدّه القاضي يونس بن عبد الله ومن خطّه نقلته، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن طالب المؤدّب بالحسبة، قال: حدثنا أبو الطيّب العبّاس بن أحمد الشافعيّ، قال: سمعت أبا حفص بن عوزي يقول، وكان شيخا فاضلا: دخل رجل على سهل بن عبد الله ومعه محبرة، فقال له سهل: ماذا تكتب؟ قال: أكتب العلم؛ قال: اكتب، وإن استطعت ألا تموت / إلاّ وأنت تكتب فافعل، فقال له الرجل: حدّثني ما أكتب به عنك، قال: اكتب، الدّنيا كلها جهل إلاّ ما كان علما، والعلم كلّه على صاحبه حجّة إلا ما كان عملا، والعمل كلّه موقوف إلا
(١) حديث متواتر صحيح عن عدد من الصحابة، لا يحتاج إلى بيان.