وأباح النقل على المعنى آخرون، لكن شرطوا أن يكون الناقل للحديث من أهل البصر بتبديل لفظ مكان لفظ. قال بعض شيوخنا، رحمهم الله: وهذا يصحّ على قول من يقول: إنّ في لغة العرب ألفاظا مترادفة على معنى واحد: كجاء وأتى، وذهب وانطلق، وقعد وجلس؛ وأمّا على مذهب من يقول: إنّها لا توجد كلمة بمعنى كلمة إلا وبينهما فرق - وإلى ذلك كان يذهب بعض شيوخنا، وكان يقول: إنّ (قعد وجلس) وشبههما وإن اتّفقا في أصل المعنى فبينهما فرق في حال المعنى، وهذا وإن اتّجه له في بعض موارد الكلمات فليس ينبغي أن يدّعي ذلك في كلّ لفظ، وقد قال الله تعالى: يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ اَلْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ [مريم: ٤٣]، فلو كان بين المجيء والإتيان فرق لم يستقم، لأنه كان يبقي غير ما أثبت. وقد ينفصل عن هذا الإلزام بأن يقول: بقي ما أثبت من أصل المعنى ولم يلتفت إلى اختلاف حاليّ المعنى.
واعلموا، رحمكم الله، أنّ الراوي إذا روى الحديث على إحدى المراتب المذكورة، فله أن يقول: حدّثنا، و: أخبرنا، و: أنبأنا، أيّ ذلك شاء، لا فرق بين هذه الألفاظ عند أكثر أهل العلم، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة ومالك بن أنس وأبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن. / وقال آخرون، منهم: أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ: إذا عرضت على المحدّث فقل: (أخبرنا)؛ ولا تجوز (حدّثنا) إلاّ فيما سمع من لفظ الحديث، ولا وجه لهذا الفرق؛ وقد قال الله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها [الزلزلة: ٤]، وقال تعالى: لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اَللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ [التوبة: ٩٤]، فتبيّن من قوله تعالى، أنّ الحديث والخبر والنّبأ واحد.
وقال البخاريّ في مصنّفه (١): قال لنا الحميديّ: كان عند ابن عيينة حدّثنا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعت واحدا.