للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُضَافُ إلى ذَلِكَ إلى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْظَى باحْتِرَامِ الجَيْشِ، ولاَ بِحُبِّ النَّاسِ له مِمَّا هيَّا للثورةِ عليه.

وانتهزَ مُحَمَّدُ بنُ هِشَامِ بنِ عبدِ الجبَّارِ بنِ عبدِ الرَّحْمَنِ النَّاصِرِ الفُرْصَةَ في غِيابِ شَنْجُولَ، بأنْ ثَارَ عليهِ وسَيْطَرَ على قُرْطُبةَ، ثُمَّ اسْتَطاعَ أنْ يَقْبضَ على شَنْجُولَ ويَقْتُلَهُ، وذلكَ في رجَب سنة (٣٩٩)، وهَكَذا انْهَارتْ الدَّولةُ العَامِريَّةِ.

المَرْحَلةُ الثالثة: مَرْحَلةُ الفِتَنِ:

عُرِفتْ هذه المرحلةُ بدايةُ القَلاَقِلِ، وتُحَدَّدُ على النَّحْو التَّالي:

أ - بدايةُ الفِتنةِ (١): بدأتْ بأنْ أجبرَ مُحَمَّدُ بنُ هِشَامِ بنِ عبدِ الجبَّارِ بنِ عبدِ الرَّحْمَنِ النَّاصِرِ الخَلِيفَةَ هِشَامَ المُؤَيَّدَ بالله بأنْ يَتَنازَلَ عَنِ الخِلاَفةِ، وتَمَّ له ذَلِكَ، ثُمَّ تَسَمَّى بالمهْدِي (٢)، ثُمَّ عَمَدَ إلى الخَلِيفَةِ هِشَامِ المُؤيَّدِ فأَخْفَاهُ، وأشاعَ بينَ النَّاسِ أَنَّهُ ماتَ، ثُمَّ عَهِدَ إلى هِشَامِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ النَّاصِرِ بالخِلَافةِ مِنْ بَعْدِه، ولكِنَّ سُوءَ خُلُقِ المَهْدِي وإهَانتَهُ لِرُؤَسَاءِ قَبَائلِ البَرْبرِ وَزُعَمَائِهِم جَعَلَ هِشَامٌ يَتَقَرَّبُ للبَرْبَرِ، ويَسْعَى مَعَهُم لِخَلْعِهِ، فَجَمَعُوا جُمُوعَهُم للإنْقِضَاضِ عليه، ولكنَّه بَادَرَهُم بِجَمْعٍ أكبرَ، فَشَتَّتَ شَمْلَ البَرْبرِ وقتَلَ هِشَامَ بنَ سُلَيمانَ، وانْسَحَبَ البَرْبَرُ بعدَ قَتْلِ هِشَامِ بنِ سُلَيْمَانَ إلى ضَوَاحِي قُرْطُبةَ، وفِيهِم ولدُه سُلَيْمَانُ بنُ هِشَامٍ، فَعِنْدَما عَرَفُوه وَلَّوهُ عَلَيْهِم ولَقَّبُوهُ بالرَّشِيدِ، وبَدَءَوُا يَعُدُّونَ العُدَّةَ للإسْتِيلاَءِ عَلى قُرْطُبةَ.

وتَأجَّجتِ الفِتْنةُ في قُرْطُبةَ حَيْثُ نَادَى مُنَادِي المَهْدِي بأن مَنْ أتَى بِرَأْسِ بَرْبَرِيٍّ فَلَهُ كَذَا وكَذَا، فتَسارعَ العَامَّةُ مِنْ أَهْلِ قُرْطُبةَ في قَتْلِ مَنْ قَدِرُوا عليهِ حتَّى امتدتْ


(١) ينظر: جذوة المقتبس ص ١٨، وبغية الملتمس للضبي ص ٢٤، والسير ١٧/ ١٢٣، بالاضافة إلى المصادر المتقدمة.
(٢) وصف ابن عذارى في البيان المُغْرِب ٣/ ٧٤ المهدي هذا بأنه أشام خليفة على وجه الدنيا، وقال الذهبي في السير ١٧/ ١٢٩: فلما استوثق الأمر للمهدي أظهر من الخلاعة والفساد أكثر مما عمله شنجول.

<<  <  ج: ص:  >  >>