للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأيدِي إلى صَالِحِي المُسْلِمينَ، فَقُتِلُوا صَبْراً، ونُهِبتْ بِيُوتُهم، وهُتِكَتْ أَعْرَاضُهم، بلْ قُتِلَ الكَثيرُ مِمَّنْ قَدِمَ للرِّبَاطِ في ثُغُورِ الأَنْدَلُسِ مِنْ بلادِ المشرقِ الإسلامِيِّ، فَقُتِلُوا على أَنَّهُم بَرْبر، حتَّى أنَّ كُلَّ مَنْ كان بينَهُ وبينَ أحدٍ عَدَاوةٌ قالَ: هذا بَرْبَرِيٌّ، فَقُتِلَ.

ب - امتدادُ الفتنةِ: وعندما بلغَ البَرْبرُ ما جَرَى لإخْوَانِهِم بِقُرطُبَةَ زَحَفُوا عَليها، وعلَى رَأْسِهِم سُلَيمَانُ بنُ هشَامٍ الرَّشِيدُ، وحَاصَرُوا المَهْدِيَّ في قَصْرِه، وكانَ ذَلِكَ في شَوَّال سنة (٣٩٩)، ولكِنَّ المهدِيَّ فَك حِصَارَهُم، وأَعْمَلَ فِيهم القَتْلَ، وظَفَر المَهْدِيُّ بقَائِدِ البَرْبرِ سُلَيْمَانَ بنِ هِشَامٍ فَقَتلَهُ، فَفَرَّ البَرْبَرُ إلى ضَوَاحِي قُرْطُبةَ، فاخْتَارُوا سُلَيْمَانَ بنَ الحَكَمِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ النَّاصرِ ولَقَّبُوهُ بالمُسْتَعِينِ -وهُو اْبنُ أَخِي الرَّشِيدِ- (١) الذي سُرْعَانَ مَا عَادَ إلى قُرْطُبةَ بِمُسَاعَدِة النَّصَارَى لموَاجَهَةِ المَهْدِي على أَنْ يُعْطيِهم مَا يَخْتَارُونهُ مِنَ الحُصُونِ المتاخِمةِ لهُ، وفي الوقتِ نَفْسهِ كانَ هناكَ وَفْدٌ مِنْ قِبلِ المَهْدِي يُسَاوِمُ النَّصَارَى على ابنِ عَمِّه ومَنْ مَعَهُ مِنَ البَرْبرِ المسلِمينَ، ولَكِنَ النَّصَارَى كَسْباً للطرَفِ القَوِيِّ مَدُّوا يدَ المُسَاعَدةِ إلى سُلَيْمَانَ المستعينِ والبَرْبَرِ، ثمَّ وَقَعَتْ الحَرْبُ بينَ جَيْشِ المُسْتِعِينِ وبينَ جَيْشٍ لأتْبَاعِ المَهْدِي، وكانتْ الدَّائِرَةُ عَلَيْهِم، وَلَجَئُوا إلى المَهْدِيِّ في قُرْطُبةَ، واشْتَبكَ جَيْشُ سُلَيْمَانَ المُسْتِعينِ مَعَ أَهْلِ قُرْطُبةَ الذينَ حَشَدَهُم المهدِي مِنْ غَيْرِ نِظَامٍ، فَوَقَعَتْ فِيهِم مَقْتَلَةٌ عَظِيمَة، ودَخَلَ المُستَعِينُ ومَنْ مَعَهُ منَ البَرْبرِ والنَصَارَى قُرْطُبةَ، وقتلُوا مِنْهم أكثرَ مِن ثَلاَثينَ ألفًا.

وقدْ أُوذِي أَبو المُطَرِّفِ في هذه الفِتنةِ، قالَ ابنُ حيَّانَ: امتُحِنَ بالبربرِ أوَّلَ ظُهُورِهِم مِحْنَةً أَوْدَتْ بِمَالهِ (٢).

ج - مُناورَةُ للمَهْدِي: لما رأَى المَهْدِي مَا حَلَّ بهِ مِنْ هَزِيمَةٍ أَظْهَرَ هِشَامَ


(١) قال الذهبي في السير ١٧/ ١٣٣ في ترجمته: دانت له الأندلس سنة (٤٠٣)، جال بالبربر يفسد وينهب البلاد، ويعمل كل قبيح، ولا يبقي على أحد.
(٢) تاريخ الإسلام ٢٨/ ٣٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>