قالَ أبو المُطَرِّفِ: معنى الإسْتِطَابةِ يعني: النَّظَافةَ والتَّمَسُّحَ بالأَحْجَارِ عندَ الحَدَثِ، ومنهُ يُقَالُ: رَجُل مُطِيْبٌ إذا اسْتَنْجَى عندَ الحَدَثِ.
* قولُ النبيِّ - عليه السلام - لأهلِ القُبُورِ:"السَّلامُ عليكُم دارَ قَوْمٍ مُؤْمنينَ" وذَكَرَ الحَدِيثَ [٨٢]، فيه من الفِقه: إباحةُ زِيَارةِ القُبُورِ، والسَّلامُ على المَوْتى.
وقالَ بَعْضُهم: في هذا الحَدِيثِ دَلِيلٌ على أنَّ أَرْوَاحَ المَوْتَى على أَقْبيَةِ القُبُورِ، وأَنْكَرَ هذا القَوْلَ بعضُ شُيُوخِنا، وقالَ: ثَبَتَ عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قالَ:"إنما نَسَمَةُ المُؤْمِنِ مِنْ طَيْرٍ يُعْلَقُ في شَجَرةِ الجَنَّةِ حتَّى يُرْجِعَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إلى جَسَدِه يومَ القِيَامةِ"(١).
وسُئِلَ يحيَي بنُ يحيَى عَنْ مُسْتَقَرِّ الأَرْوَاحِ أينَ هي؟ قالَ للسَّائِل: أينَ كانتْ قبلَ أنْ تَكْمُنَ في الأَجْسَادِ، وقالَ لَهُ: كانتْ في عِلْمِ اللهِ، قالَ له يحيَى: وكَذَلِكَ هي بعدَ خُرُوجِها مِنَ الأَجْسَادِ في عِلْمِ اللهِ.
* قالَ أبو المُطَرِّفِ: معنى قولهِ في هذا الحَدِيثِ: "إنا إنْ شاءَ اللهُ بكُم لاحِقُونَ"[٨٢]، يعني: لا نُبَدِّلُ ما تَرَكْتُمونَا عليهِ، ونَمُوتُ على مَا مِتُّم عليهَ إنْ شاءَ اللهُ، والاسْتثنَاءُ مِنَ الأمرِ الوَاجِب مَعْرُوفٌ عندَ العَرَبِ، قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ}[الفتح: ٢٧]، فأَوْجَبَ لَهُم دُخُولَهُ، لقوله:{لَتَدْخُلُنَّ} ثُمَّ اسْتَثْنَى في ذلكَ، فقال {إِنْ شَاءَ اللَّهُ}.
* وقولُه:"وَدِدْتُ أَنِّي قد رأَيْتُ إخْوَانَنا"[٨٢] تَمنَّى أنْ يَرَى أُمَّتَهُ في الجنَّةِ،
(١) رواه مالك (٨٢٠) عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب الأنصاري عن أبيه به، ورواه من طريقه: النسائي ٤/ ١٠٨، وابن ماجه (٤٢٧١)، وأحمد ٣/ ٤٥٥. والنَّسَمة -بفتح النون والسين- والمراد بها هنا الروح. وقوله: (يعلق في شجر الجنة) يروى بفتح اللام، وهو الأكثر، ويروى بضم اللام، والمعنى واحد، وهو الأكل والرعي، يريد: نأكل من ثمار الجنة وتسرح بين أشجارها، ينظر: التمهيد ١١/ ٥٨ - ٥٩.