للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاسْتَفْهَمهُ أصحابَهُ وقَالُوا: "ألسنا بإخْوَانِكَ؟ فقالَ: بلْ أنتُم أَصْحَابِي، وإخْوَانَنا الذين لم يأتُوا بعدُ" فدَلَّ هذا على أنَّ الأُخُوَّةَ اسمٌ عامٌّ يَدْخُلُ فيها مَنْ شَاهَدَهُ وغيرُهم مِنْ أُمَّتهِ، والصُّحبةُ اسمٌ خَاصٌّ، وهو لِمَنْ رأَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وصَحْبَهُ.

* وقولُه: "وأنا فَرَطُهُمْ على الحَوْضِ" يعني: أنا مُتَقدِّمُهم يومَ القِيَامَةِ إلى حَوْضِي، والفَارِطُ هو المُتَقدِّمُ إلى المَاءِ، والوَارِدُ هو الذي يَرِدُ المَاءَ بعدَ الفَارِطِ، وثبتَ بهذا الحَدِيثِ أنَّ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَوْضَا يُورِدُه وأمَّتَهُ يومَ القِيَامَةِ ويَشْرَبُونَ منه، وأنَّهُ يَعْرِفُ أُمَّتَهُ يومَ القِيَامَةِ بِعَلَامةِ الوُضُوءِ التي خُصُّوا بها مِنْ بينِ سَائِرِ الأممِ، وهي الغُرَّةُ والتَّحْجِيلُ، يأْتُونَ بِيضَ الوُجُؤ والأيدِي، وذكرَ ابنُ المُبَارَكِ مِنْ طَرِيقِ أبي ذَرٍّ وأبي الدَّرْدَاءِ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قِيلَ له كيفَ تَعْرِفُكَ أُمَّتُكَ يومَ القِيَامةِ منْ بينَ سَائِرِ الأُمَمِ؟ فقالَ: "هُمْ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ (١)، ولا يكُونُ كذلك أحدٌ غيرُهم".

قالَ أبو المُطَرِّفِ: سألتُ أبا مُحَمَّدٍ عن حَدِيثِ المُسَيِّبِ بنِ وَاضِحٍ عَنْ [حَفْصِ بنِ مَيْسَرةَ] (٢)، عَنْ [عبدِ اللهِ] (٣) بنِ دِينَارٍ، عَن ابنِ عُمَرَ: "أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ مَرَّةً مَرَّةً، فقالَ: هذا وُضُوءُ مَنْ لا يَقْبَلُ اللهُ تَبَاركَ وتَعَالَى لهُ صَلَاةٌ إلا به، ثُمَّ توضَّأ مَرَّتينِ مَرَّتينِ، ثُمَّ قالَ: هذا وُضُوءُ مَنْ يُضَاعِفُ اللهُ لهُ الأجرَ مرَّتينِ، ثُمَّ توضَّا ثلاثًا ثلاثًا، فقالَ: هذا وُضُوئي ووُضوءُ الأنبياءِ مِنْ قَبْلِي" (٤). فقالَ لي


(١) رواه أحمد ٥/ ١٩٩، وابن عبد البر في التمهيد ٢٠/ ٢٦١، بماسنادهما إلى ابن المبارك عن ابن لَهِيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير أنه سمع أبا ذر وأبا الدرداء .... إلخ.
(٢) زيادة من المصادر.
(٣) جاء في الأصل: عمرو، وهو خطأ، والصواب ما أثبته.
(٤) رواه الحسن بن سفيان في الأربعين (١٦)، وأبو عروبة في أحاديثه (٥٨)، والبيهقي في السنن ١/ ٨٠، وابن عساكر في تاريخه ٥٨/ ٢٠١، كلهم بإسنادهم إلى المسيب بن واضح به، وهو حديث لا يصح، لا يعرف إلا من حديث المسيب بن واضح، وهو ليس بالقوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>