للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَيْدٍ، وقالَ فِيهِ: (لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ إلَّا التَّوْحِيدَ) (١)، ولَمْ يَذْكُرْ مَالِكٌ في حَدِيثهِ التَّوْحِيدَ.

* وقَوْلُهُ: "لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيَّ لَيُعَذِبنِّي) [٨٢٢]، يُرْوَى هذا الحَرْفُ بالتَخْفِيفِ، و (قَدَّرَ) بالتَّشْدِيدِ، فَمَنْ رَوَاهُ بالتَّخْفِيفِ فَمَعْنَاهُ: أَنَّ هذَا الرَّجُلَ جَهِلَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللهِ، وَهِيَ إحْيَاءُ المَوْتَى، وَهِيَ بِدْعَةٌ عَظِيمَةٍ، ومَنْ رَوَاهُ (قَدَّرَ) بالتَشْدِيدِ فَمَعْنَاهُ: لَئِنْ ضَيَّقَ اللهُ عليَّ ونَاقَشَنِي الحِسَابَ لَيُعَذِبَّنِي عَذَابًا شَدِيدًا، وهذِه الرِّوَايةُ تَدُلُّ على أَنَّهُ لم يَجْهَلْ إحْيَاءَ اللهِ المَوْتَى، ولكِنَّهُ ابْتَدَع بِدْعَةً عَظِيمَةً، وِهِي إحْرَاقُهُ نَفْسُهُ، ثُمَّ إنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- تَفَضَّلَ عَلَيْهِ وغَفَرَ لَهُ بِخَشْيَتِه للهِ، وهذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ كَانَ مُوحِّدًا مُقِرَّا باللهِ.

وقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ: إنَّما غَفَرَ اللهُ لِهَذا الرَّجُلِ مِنْ أَجْلِ تَوْبَتِه التِّي تَابَهَا.

وقَالَتْ فِرْقَةٌ آخَرَوُنَ مِنْهُم: إنَّما غَفَرَ اللهُ لَهُ بأَصْلِ تَوْحِيدِه الذي لا يَضُرُّ مَعَهُ عَمَلٌ.

وقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى تَفَضَّلَ على هذَا الرَّجُلِ فَغَفَر لَهُ، كمَا قالَ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨ - ١١٦]، فَهَذِه الآيةُ تَأوِيلُ مَا تَأَوَّلَهُ أَهْلُ السُّنَّةِ في هذَا الحَدِيثِ.

* قَوْلُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ على الفِطْرَةِ" إلى آخِرِ الحَدِيثِ [٨٢٣]، قالَ عِيسَى بنُ دِينَارٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُوَلَدُ على فِطْرَةِ الإسْلَامِ، وَهِي المَعْرِفَةُ باللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى، قالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢]، فَأَقَرُّوا للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بالرُّبُوبِيَّةِ، ثُمَّ


(١) لم أقف عليه من حديث حماد بن زيد، وإنما رواه أحمد ١/ ٣٩٨، بإسناده إلى أبي رافع عن أبي هريرة به. وقال ابن عبد البر في التمهيد ١٨/ ٤٠: هذه اللفظة لم تصح من جهة النقل، لكنها صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجهها ... إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>