للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتَفْسِيرُ ذَلِكَ: رَجُلٌ سَلَّمَ إلى رَجُلٍ دِينَاراً في مُدي مِنْ قَمحٍ إلى أَجَلٍ (١)، فَلَمَّا حَلَّ الأَجَلُ تَقَاضَاهُ إيَّاهُ فَلَم يَجِنهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَبُّ السَّلَمِ: أَبِيعُكَ مُدْياً مِنْ قَفحٍ عِنْدِي بِدِينَارَيْنِ إلى أَجَلٍ، ثُمَّ أَقْبِضُ مِنْكَ بِهذا المُدْيِّ عَنِ المُدْيِّ الذي سَلَّمتُ إليكَ فِيهِ، فَصَارَ أنْ بَاعَ مُدياً قَبْلَ أَنْ يَقْبضَهُ بِثَمَنٍ إلى أَجَلٍ، فَيَدخُلُهُ بَيع الطَّعَام قَبْلَ أَنْ يُسْتَوفَى، لأَنَّ المُدْيَّ الذي بَاعَهُ أَمَّنَهُ أُخْرَى بِدِينَارَيْنِ قَدْ صَرَفهُ [إليه] (٢)، وصَارَتِ الدِّينَارَانِ ثَمَناً للمُديِّ المُسْلَمِ فِيهِ، ويَدخُلُهُ أيضاً دَراهِمُ بأَكْثَرَ مِنْها إلى أَجَلٍ، وكأَنَّهُ أَسْلَفَهُ دِينَاراً نَقْداً في دِينَارينِ إلى أَجَلٍ، ويَدخُلُهُ أَيضَاً دَرَاهِمَ باَكْثَرَ مِنْها إلى أَجَلٍ، ويَدخُلُهُ أَيْضَا فَسْخُ دَيْنٍ في دَيْنٍ، وذَلِكَ أَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ مُديّ مِنْ طَعَامٍ فَفَسَخُهُ في دِينَارَيْنٍ إلى أَجَلٍ، وهذا حَرَامٌ.

قالَ أَبو المُطَرِّفِ: لَمْ يَحِل للرَّجُلِ أَنْ يَبْتَاعَ طَعَاماً بكَسْرٍ مِنْ درْهَمٍ على أَنْ يُعطِي بِذَلِكَ الكَسْرِ طَعَاما إلى أَجَلٍ، لأَنَّهُ يَصِيرُ الطَعَامُ بالطَعَامِ لَيْسَ يَداً بِيَدٍ، والكَسْرُ بَيْنَهُما مُلْغَى، وأَمَّا إذا أَخَذَ طَعَاماً بِكَسْرِ درهم إلى أَجَلٍ ثُمَّ دَفَعَ دِرهماً وأَخَذَ بِبَقِتتِهِ طَعَامَاً لَمْ يَكُنْ به بَأْس، لأَنَّهُ صَارَ طَعَاماً كُلَّهُ بِفِضَّةٍ.

* قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ بَاعَ طَعَاماً جُزَافَا فإنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِي مِنْهُ كَيْلاً قَدرَ ثُلُثِ ذَلِكَ الطَّعَامِ المَبِيعِ فَدُونَ، فإنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الثُلُثِ لَمْ يَجُزْ.

قالَ عِيسَى: مَعنَاهُ أَنْ يَسْتَثْنِي ذَلِكَ البَائِعُ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ المُبْتَاعُ على ذَلِكَ الطعَامِ ويَكُونُ مِنَ المُسْتَثْنَى مِنَ الطَّعَامِ مُقَاصَّاتٍ مِنَ الثَّمَنِ الذي بَاعَ بهِ البَائعُ أَوَّلاً، فإذا وَقَعَ الإسْتِثْنَاءُ بعدَ أَنْ غَابَ المُبْتَاعُ [عَنِ] (٣) الطعَامِ أَو اشْتَراهُ مِنْهُ بِنَقدٍ بأَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الذي بَاعَهُ بهِ أَوَّلاً لَمْ يَصلُحْ، لأَنَّهُ بَيْعٌ وسَلَفٌ، وذَلِكَ أَنْ البَائِعَ الأَوَّلَ بَاعَ طَعَاماً جُزَافاً ولم يَنْقُدِ الثَّمَنَ فَقَبَضَهُ المُشْتَرِي وغَابَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ابْتَاعَ


(١) قال ابن الأثير في النهاية ٤/ ٣١٠: والمدي مكيال لأهل الشام يسع خمسة عشر مكوكا، والمكوك صالح ونصف، وقيل: أكثر من ذلك.
(٢) جاء في الأصل: إليك، وهو خطأ مخالف لسياق الكلام.
(٣) جاء في الأصل: على، وما وضعته هو الصحيح المناسب للسياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>