فالذِّكَرُ هُوَ الذي يَعْصِبُهنَّ، كَمَا يُعْصِبُ الوَلَدُ للصُّلْبِ البَنَاتَ، وهَذا قَوْلُ عَلِي بنِ أَبي طَالِبٍ وزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وعَلَيْهِ أَهْلُ المَدِينَةِ.
ولَا خِلَافَ بَأَنَّ للأَبَوَيْنِ مَعَ الوَلَدِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السّدُسُ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ المُتَوفَّى وَلَدًا، ولَا وَلَدَ ابْنٍ، ذَكَرًا أَو انْثَى، فإنَّهُ يُبْدَأُ بأَهْلِ الفَرَائِضِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ، ثُم يَكُونُ للأَبِ مَا بَقِيَ، إِلَّا أَنْ يَبْقَى أَقَل مِنَ السُّدُسِ فَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ.
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إنَّمَا يُبْدَأُ بأَهْلِ الفَرَائِضِ قَبْلَ الأَبِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ يَسْتَحِقونَ المِيرَاثَ بالفَرْضِ المُجَرَّدِ، فَوَجَبَ تَبْدِيَتُهُمْ، ثُمَّ يُعْطَى الأَبُ مَا بَقِيَ، لأَنَّ فِيهِ رَحِمًا وتَعْصِيبًا، فَيُعْطَى مَا اسْتَحَقَهُ بالرَّحِمِ، ثُمَّ يَأخُذُ مَا بَقِيَ عَنْ أَهْلِ الفَرَائِضِ بالتَّعصِيبِ، فإذَا لَمْ يُصِبْهُ بالتَّعْصِيبِ شَيءٌ لَمْ يُنْقَصْ مِنَ الفَرْضِ، وفَرْضُهُ السُّدُسُ، فإذا انْفَرَدَ الأبوَانِ بالمَالِ كَانَ للأُمِّ الثُلُثُ وللأَبِ الثُلُثَانِ، لِقَوْلهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: ١١]، فَصَارَ البَاقِي للأَبِ بِهَذَا الظَّاهِرِ.
فإذَا كَانَ مَعَ الأَبَوَيْنِ زَوْجٌّ أَو زَوْجَةٌ كَانَ للزَّوْجِ النَّصْفُ، وللأُمِّ الثُلُثُ مِمَّا بَقِيَ، ومَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ فَاللأَبِ، ويَكُونُ للزَّوْجَةِ الرُّبُعِ، وللأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ، ومَا بَقِيَ للأَبِ، إِنَّمَا كَانَ للأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِىَ بَعْدَ إخْرَاجِ فَرِيضَةِ الزَّوْجِ أَو فَرِيضَةِ الزَّوْجَةِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا تَأخُذُ السُّدُسُ مَعَ الوَلَدِ ومَعَ الأَخَوَيْنِ، فَحُجِبت الأُمُّ عَنِ الثُلُثِ إلى السُّدُسِ بالوَلَدِ وبالأَبَوَيْنِ فَصَاعِدًا، فَصَارَ سَبيَلُهَمَا - أَعْنِي الأَبَويْنِ فِيمَا يَبْقَى مِنَ المَالِ بَعْدَ أَهْلِ الفَرَائِضِ كَسَبيلهِمَا لَو انْفَرَدا بالمًالِ، وشَيءٌ آخَرُ وَهُوَ إنَّمَا جَعَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- للأُمِّ الثُّلُثَ حَيْثُ جَعَلَ للأَبِ الثُلُثَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُزَادَ عَلَيْهِ اللأُمُّ.
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لمَ يَرِثْ الإخوَةُ للأُمِّ مَعَ الوَلَدِ، ولَا مَعَ وَلَدِ الوَلَدِ، ولَا مَعَ الأَبِ، ولَا مَعَ الجَدِّ شَيئًا، لأَنَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢]، والكلَالَةُ هَهُنَا مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ ولَا وَالِدٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute