فَمَتَى كَانَ للمِيِّتِ وَلَدٌ وإنْ سَفَلَ، وَوَالِدٍ وإنْ عَلَا فَلَا يَرِثُ فِيهِ إخْوَتُهُ لأُمِّه شَيْئًا، وعلى هَذا أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ، وصَارَتْ مَنْزِلَةُ الإخْوَةِ للأُمِّ في المِيرَاثِ سَوَاءٌ، لِقَوْلهِ تَعَالَى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}، فَلِهَذا صَارَ سَهْمُ الأَخِ والأُخْتِ للأُمِّ سَوَاءٌ في المِيرَاثِ.
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إنَّمَا لَمْ يَرِثْ الإخْوَةُ للأَبِ والأُمِّ مَعَ الوَلَدِ الذَّكَرِ، ولَا مَعَ وَلَدِ الإبْنِ الذَّكَرِ شَيْئًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الابْنَ أَقْرَبُ إلى المَيِّتِ، وذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الرَّجُلِ هُوَ مِنْهُ، وأَخُوُهُ هُوَ وَلَدُ وَالِدِه، وشَيءٌ آخَرُ إنَّمَا يُبْدَأُ في الفَرَائِضِ بِمَنْ لَهُ سَهْمٌ مُسَمَّى قَبْلَ العَصَبةِ، لأَنَّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ مُسَمَّى لَا يَسْقُطُ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، ومَنْ يَأْخُذُ بالتَّعْصِيبِ قَدْ يَسْقُطُ إذا لَمْ يَبْقَ مِنَ المَالِ شَيءٌ، فَلِهَذا وَجَبَ تَبْدِيَةُ أَهْلِ الفَرَائِضِ قَبْلَ العَصَبَةِ، ولَا خِلَافَ في هَذا بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ.
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إنَّمَا شُرِكَ بَنُو الأَبِ والأُمّ مَعَ الإخْوَةِ للأُمِّ في الثُلُثِ في فَرِيضَةِ المُشْتَركَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ إخْوَةُ المُتَوفَّى لأُمِّهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَوَى في مِيرَاثِهِمْ، بِسَببِ أُمِّهمْ، وهَذِه الفَرِيضَةُ تُسَمَّى الحِمَارِيَّةِ (١)، وذَلِكَ أَنَّ بَنِي الأُمِّ والأَبِ قَالُوا لِبَنِي الأُمِّ: هَبْ أَنَّ أَبَانَا حِمَارٌ أَلَيْسَتْ أُمُّنَا وَاحِدَةٌ، وشَرَكَ بَيْنَهُمْ في هَذِه الفَرِيضَةِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وزيدُ بنُ ثَابِتٍ، وبهِ قَالَ جَمَاعَةُ أَهْلِ المَدِينَةِ.
قالَ أَبو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ: إنَّمَا لَمْ يَرِث الجَدُّ أَبُ الأَبِ مَعِ الأَبِ شَيْئًا لأَنَّ الأَبَ أَقْرَبُ مِنَ الجَدِّ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ الجَدَّ يُدْلِي بالأَبِ، فَإذا كَان مَنْ يُدْلِي به بَاقِيًا فَهُوَ أَحَقُّ بالمِيرَاثِ، وفُرِضَ للجَدِّ السُّدُسُ مَعَ الوَلَدِ الذَّكَرِ، ومَعَ ابنِ الإبْنِ الذَّكَرِ، مِنْ أَجْلِ وِلَادَتِهِ، لَا مِنْ أَجْلِ التَّعْصِيبِ، كَمَا يُفْرَضُ للجَدَّةِ السُّدُسُ مَعَ الوَلَدِ الذَّكَرِ، ومَعَ وَلَدِ الوَلَدِ الدَّكَرِ السُّدُسُ، فأَمَّا إذا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ ذَكَر، ولَا وَلَا ابنٌ ذَكَرٌ، وكَانَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الفَرَائِضِ، بُدِيءَ بأَهْلِ الفَرَائِضِ المُسَمَّاةِ فَأُعْطُوا فَرَائِضَهَمُ، ثُمَّ كَانَ للجَدِّ مَا بَقِيَ، إذا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ السُّدُسِ، يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ تَعْصِيبِه، فإنْ بَقِيَ
(١) كما تسمى أيضًا: الحجريّة، واليمِّية، لأنهم قالوا لعمر: هب أن أبانا كان حمارا أو حجرا ملقى في اليم، أي في البحر، ينظر: الإستذكار ٥/ ٥٧٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute