للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وِزْرٌ" [١٦١٨]، وذَكَرَ الحَدِيثَ. قال عِيسَى: الذي هِيَ لَهُ أَجْرٌ هُوَ الذي أَعَدَّهَا للجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ.

وقَوْلُهُ: "فأَطَالَ لَهَا في مَرْجٍ أَو رَوْضَةٍ يَعْنِي: طَوَّلَ لَهَا حَبْلَهَا الذي رَبَطَهَا بهِ في مَرْجٍ لِتَرْعَى فِيهِ أو رَوْضَةٍ، فَالمَرْجُ: المُطْمَئَنُ مِنَ الأَرْضِ، والرَّوْضَةُ: مَا ارْتَفَعَ مِنَ الأَرْضِ.

وقَوْلُهُ: "فَاسْتنَّتْ شَرَفًا أَو شَرَفَيْنِ يَعْنِي: قَطَعَتِ الحَبْلَ الذي رُبِطَتْ بِهِ، لِكَيْ تَرْعَى، فَجَعَلَتْ تَجْرِي مِنْ شَرَفٍ إلى شَرَفٍ، فَهَذَا كُلُّهُ حَسَنَاتٍ لِصَاحِبهَا، لأَنَّهُ أَرَادَ باتَّخَاذِهَا وَجْهَ اللهِ، والجِهَادَ في سَبِيلِهِ، فَكَيْفَ مَا تَقَلَّبَتْ بِهَا الحَالُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ.

قال: "وَرَجُلٌ رَبَطَها تَغَنِّيًا وتَعَفُّفًا يَعْنِي: أَنَّهُ اتَّخَذَهَا لِيَسْتَغْنِي بِمَا يَكْسِبُهُ على ظُهُورِهَا عَنْ مَا في أَيْدِي النَّاسِ، ويَتَصَدَّقُ مِمَّا يَكْسِبُهُ عَلَيْهَا على الفُقَرَاءِ أَو يُنْزِيهَا على إنَاثِ الخَيْلِ لِمَنْ سَأَلَهُ ذَلِكَ بِلَا أَجْرٍ يأَخُذُهُ عَلَيْهِ، فَهِيَ لِهَذا سِتْرٌ، وَهُوَ مَأجُورٌ عَلَى هَذَا.

"وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا، وَرِياءً، ونَوَاءً لأَهْلِ الإسْلَام"، يَعْنِي: اتَّخَذَهَا [عَدَاوَة] (١) عَلَى أَهْلِ الإسْلَامِ، والمُنَاوَأةُ: هِيَ المُعَادَاةُ، فهِيَ على هَذَا وِزْرٌ، [لأَنَّهُ] (٢) لَمْ يَرِدِ اللهَ بِشَيءٍ مِنْ عَمَلِهِ.

وهَذَا الحَدِيثُ أَصْلٌ في اكْتِسَابِ المَال، وإنْفَاقِهِ، فَمَنِ اكْتَسَبَهُ مِنْ حَلَالٍ وأَنْفَقَهُ في وُجُوهِ البِرِّ، وأَطْعَمَ مِنْهُ الجَائِعَ وأَحْيَاهُ، كَانَ مَالُهُ بَرَكَةً عَلَيْهِ في آخِرَتهِ، والذي يَكْسِبُ المَالَ مِنْ حلِّهِ، ويُنْفِقُهُ في مَصَالِحِه، ويَتَعَفَّفُ بهِ عَمَّا في أَيْدِي النَّاسِ هُوَ أَيْضًا في ذَلِكَ مَأْجُورٌ، وأَمَّا مَنْ جَمَعَهُ مِنْ حَرَامٍ، وأَنْفَقَهُ في غَيْرِ طَاعَةٍ فَوِزْرُهُ عَلَيهِ، لإسْتِبَاحَةِ مَا حَرَّمَ اللهُ ونَهَى عَنْهُ.


(١) جاء في الأصل: (عدة)، وهو خطأ، وما وضعته هو المناسب للسياق، وينظر: الإقتضاب ٢/ ٨.
(٢) زيادة يقتضيها السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>