وقَوْلُهُ في آخِرِ الحَدِيثِ إذْ سُئِلَ عَنِ الحُمُرِ، فَقَالَ: "لَمْ يُنْزِلْ عَلَى فِيهَا شَيءٌ إِلَّا هَذِه الآيةُ الفَاذَّةُ الجَامِعَةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} "، يَعْنِي: أَنَّهُ مَنْ أَحْسَنَ إليهَا رَأَى إحْسَانَهُ في الآخِرَةِ، ومَنْ أَسَاءَ إليهَا وكَلَّفَهَا فَوْقَ طَاقَتِهَا رأَى إسَاثَدهُ في الآخِرةِ، واللهُ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ، ويُعَذّبُ مَنْ يَشَاءُ.
وقَوْلُهُ في الآيةِ: إنَّهَا "جَامِعَةٌ فَاذةٌ"، يَعْنِي: مُنْفَرِدَةً في مَعْنَاهَا، جَمَعَتْ أَعْمَالَ البِرِّ كُلِّهَا دَقِيقِهَا وجَلِيلِهَا، وكَذَلِكَ أَعْمَالُ المَعَاصِي.
* [قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَوْلُ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ: "بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ في العُسْرِ، واليُسْرِ، والمَنْشَطِ، والمَكْرَهِ" [١٦٢٠]، قالَ أَبو عُمَرَ: هَذَا الحَدِيثُ هُوَ نَحْوُ قَوْلهِ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: ٤١]، ثُمَّ نُسِخَ هَدْا بِقَوْلهِ: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: ١٢٢]، إلى آخرِ الآيةِ.
وقَوْلُهُ في آخِرِ الحَدِيثِ: "وأنَ لَا تُنَازعُ الأَمْرَ أَهْلَهُ"، يَعْنِي: لَا تَخْرُجَ عَلَى الأَئِمَةِ فَنُقَاتِلُهُمْ، فَالسَّمْعُ والطَاعَةُ على المُسْلِمِينَ لِمَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمَرَهَمُ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ عَدَلُوا فَلَهُمُ الأَجْرُ، وعَلَى الرَّعِيّهِ الشُّكْرُ، وإنْ جَارُوَا فَعَلَيْهِمُ الوِزْرُ، وعَلَى الرَّعِيّةِ الصَّبْرُ والدُّعَاءُ إلى اللهِ في كَشْفِ الضُّرِّ عَنْهُمْ.
* وفِي حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ: "كنَا إذا بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ والطَاعَةِ، يَقُولُ لَنَا: فِيمَا اسْتَطْعَتُمْ" [٣٦٠١]، فَجَاءَتِ الرُّخْصَةُ في هَذَا الحَدِيثِ أنْ لَا يَتَكَلَّفَ الإنْسَانُ لإمَامِهِ مَا يَضُرُّ بهِ في دِينِهِ، ومَا كَانَ فيهِ طَاعَةٌ للهِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ الوُقُوفُ عِنْدَ مَا يُؤْمَرُ بهِ إذا أَطَاقَ ذَلِكَ.
* [قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَوْلُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في كِتَابهِ: (لَن [يَغْلِبَ] (١) عُسْرٌ يُسْرَيْنِ) [١٦٢١]، يَعْنِي: قَوْلَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
(١) ما بين المعقوفتين زيادة من الموطأ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute