للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: العُسْرُ المُكَرَّرُ ذِكرُهُ هَهُنَا وَاحِدٌ، لأَنَّهُ مُعَرَّفَة بالأَلَفِ واللامِ، واليُسْرُ الأَوَّلُ هُوَ غَيرُ اليُسْرِ الثَّانِي لأنَّهُمَا نَكِرَتَانِ، والنَّكِرَةُ في كَلَامِ العَرَبِ هُوَ شَيءٌ شَائِعٌ في جِنْسِهِ لَا يَخُصٌّ بهِ وَاحِدٌ دُونَ آخَرَ، فَلِذَلِكَ قالَ: (لا يَغلِبُ عُسْرٌ وَاحِدٌ يُسْرَيَنِ).

وقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران: ٢٠٠]، يَعْنِي: {اصْبِرُوا} عَلَى طَاعَةِ اللهِ، {وَصَابِرُوا}: صَابِرُوا المُشْرِكِينَ، {وَرَابِطُوا}، يَعْنِي: جَاهِدُوا في سَبيلِ اللهِ، {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: ٢٠٠] والفَلَاحُ: البَقَاءُ في الجَنَّةِ، و (لَعَلَّ) مِنَ اللهِ حَتْمٌ وَاجِبٌ.

[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَعْنَى نَهْي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُسَافَرَ بالقُرْآنِ إلى أَرْضِ العَدُوِّ خِيفَةَ أَن تَقَعَ المَصَاحِفُ في أَيدِي العَدْوِّ فَيَحْرقُونَهَا، وإِنَّمَا هَذا واللهُ أَعْلَمُ عِنْدَ قِلَّةِ الجُيُوشِ، وخَوْفِ المُشْرِكينِ، وإنَّمَا عِندَ الكَثْرَةِ فَلَا بَأْسَ بِحِمْلَانِ المُصَاحِفِ في الغَزَوَاتِ.

* قالَ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ: نَهْيُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَن قَتْلِ النِّسَاءِ والوِلْدَانِ [١٦٢٥]، نَسَخَ حَدِيثَ الصَّعْبِ بنِ جَثَّامَةَ الذي ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ سَألَ النبيَّ عَنِ الخَيْلِ تُصِيبُ مِن أَوْلَادِ المُشْرِكينَ فتَقْتُلُهُمْ عِنْدَ الغَارَاتِ عَلَيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: "هُم مِنْهُمْ" (١)، فَجَاءَ في هَذا الحَدِيثِ أَوَّلًا إِبَاحَةِ قْتُلُهُمْ ثُمَّ نَهَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَتلِ النِّسَاءِ والولْدَانِ، فَصَارَ هَذا الحَدِيثُ نَاسِخًا لِمَا قَبْلَهُ، وبِهَذا أَمَرَ أَبُو بَكرٍ يَزِيدَ بنَ أَبي سُفْيَانَ [١٦٢٧].

قالَ عِيسَى: المُحَبِّسينَ أَنْفُسَهُم الذَّينَ نَهَى أَبُو بَكرٍ عَنْ قْتُلُهُمْ هُمُ الرُّهْبَانُ أَهْلُ الدِّيَارَاتِ، وأَهْلُ الصَّوَامِعِ الَّذِينَ قَد انْقَطًعُوا عَنِ النَّاسِ، فَهُؤَلاء يُتْرَكُون، ولَا يُعْرَضُ لَهُم جِزْيَةِ: مِن أَجْلِ أَنَّهُمْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ عَن مُقَاتَلَةِ المُسْلِمِينَ، ويُتْرَكُ


(١) رواه البخاري (٣٠١٢)، ومسلم (١٧٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>