للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَبْقَى بِمَكَّةَ إلى وَقْتِ الحَجِّ، ثُمَّ يَهِل بالحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، فَهَذَا هُوَ التَّمَتُّعُ بالعُمْرَةِ إلى الحَجّ، وَيَكُونُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ الهَدِيُ أَو الصِّيَامُ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، لِقَوْلهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] , أَيْ: فَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ، يَذْبَحُ شَاةً وَيُعْطِيهَا المَسَاكِينَ، {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ}، يَعْنِي: يَصُومَهَا مِنْ وَقْتِ يَحْرُمُ بالحَجّ إلى يَوْمِ عَرَفَةَ، فإنْ فَاتَهُ ذَلِكَ صَامَ ثَلَاثةَ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ بِمِنَى، وَسَبْعَةً إذا رَجَعَ مِنْ مِنَى، فَهَذا مَا يَلْزَمُ أَهْلُ الآفَاقِ في التَمَتُّع بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ، حَاشَا أَهْلِ مَكَّةَ، لأَنَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى قَالَ: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، وَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ خَاصَّةً.

قالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى مَكَّيٍّ اعْتَمَرَ في أَشهُرِ الحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ مِثْلَ مَا عَلَى غَيْرِ المَكّيِّ مِنَ الهَدِي أَو الصِّيَامِ.

قُلْتُ لأَبِي مُحَمَّدٍ: غَيْرُ مَالِكٍ يَقُولُ: إنَّهُ مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ مِنْ وَرَاءِ المَوَاقِيتِ إلى مَكَّةَ فَحُكْمُهُمْ في التَّمَتُّعِ كَحُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ، لا هَدْيّ عَلَيْهِم وَلَا صِيامٌ؛ لأنَّهُمْ مِنْ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فقالَ لِي: القَوْلُ في ذَلِكَ مَا قالَ مَالِكٌ، إنَّهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ خَاصَّةً، وذَلِكَ أَنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- قالَ في كِتَابهِ: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: ٢٥] , وإنَّمَا كَانُوا بالحُدَيْبِيّةِ وَهِيَ بِقُرْبِ الحَرَمِ، فَلَمْ يَجْعَلْهُمْ اللهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ حَاضَرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ مَنْ كَانَ مِنْ وَرَاءِ المَوَاقِيتِ إلى مَكَةَ، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا مَسِيرَةُ أَيَّامٍ.

قالَ ابنُ أَبي زيدٍ: قَالَ ابنُ المَاجِشُونَ (١): إذا قَرَنَ المَكِيُّ الحَجَ مَعَ العُمْرَةِ كَانَ عَلَيْهِ دَمُّ القِرَانِ، مِنْ أَجْلِ أنَّ الله جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَسْقَطَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ الدَّمَ والصِّيَامَ في التَّمَتُّعِ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ خَاصَّةٍ، لا في القِرَانِ بَيْنِ الحَجَّ والعُمْرَةِ (٢).


(١) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون المدني الفقيه، تقدم التعريف به.
(٢) نقل قول ابن الماجشون: ابن عبد البر في التمهيد ٨/ ٣٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>