فَمَعَنى ذَلِكَ: لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِحُكْمِ اللهِ وفَرْضِهِ، قالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٤] , يَعْنِي: حُكْمَ اللهِ عَلَيْكُمْ وفَرْضَهُ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "لأَقْضِيَنَّ بَيْنكُمَا بِكِتَابِ اللهِ".
وقالَ ابنُ أَبي زَيْدٍ: مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: ٨] , أَنَّ العَذَابَ المَذْكُورَ هَهُنَا هُوَ الرَّجْمُ في المُحْصَنَةِ المُسْلِمَةِ.
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: في هَذا الحَدِيثِ مِنَ الفِقْهِ: نَقْضُ الصُّلْحِ الحَرَامِ، لِقَولِ النبي - صلى الله عليه وسلم - لِوَالِدِ الزَّانِي: "أَمَّا غَنَمُكَ وجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ".
وفِيهِ: التَّغْرِيبُ عَلَى الزَّانِي الحُرِّ المُسْلِمِ البِكْرِ إذا جُلِدَ مَائَةَ جَلْدَةٍ.
وفِيهِ: أَنَّهُ مَنْ وَجَّهَهُ الإمَامُ لِحُكْمِ مَا أنَّهُ يُنْفِذُ ذَلِكَ ولا إعْذَارَ فِيهِ، كَمَا يَعْذِرُ الحَاكِمُ إلى المَحْكُومِ عَلَيْهِ في سَائِرِ الأحْكَامِ.
* [قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَوْلُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: (إيَّاكمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيةِ الرَّجْمِ) [٣٠٤٤] , يَعْنِي: إيَّاكُمْ أنْ تَهْلِكُوا بالحُكْمِ بِغَيْرِ آيةِ الرَّجْمِ، فَتُعَطِّلُوا حَدًّا قَدْ أَمَرَ اللهُ بهِ، فَيَقُولُ قَائِلٌ مِنْكُمْ: (لَّا نَجِدُ حَدَّيْنِ في كِتَابِ اللهِ)، يَعْنِي: أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: لا نَجِدُ في القُرآنِ حَدَّ البكْرِ الزَّانِي، وحَدَّ الحُرِّ المُحْصَنِ، ثُمَّ بيَنَ لَهُمْ أَنَّ آيةَ الرَّجْمِ قَدْ نزلَتْ بِقَوْلهِ: (والشَّيْخُ والشَيْخَةُ)، يَعْنِي: الثَّيِّبَ والثَّيِّبَةَ (فَارْجُوهُمَا البَتَّةَ)، يَعْنِي: ارْجُمُوهُمَا إذا زَنَيا, ولَا تَشُكُّوا في ذَلِكَ.
ثُمَّ لَمْ يَجْعَلْ عُمَرُ هَذِه الآيةَ مَسْطُورَةً في المَصَاحِفِ، وإنَّمَا أَرَادَ إحْيَاءَ حُكْمِهَا، وإمَاتَةَ تِلَاوَتهَا، والقُرْآنُ المَتْلُو هُوَ: مَا نَقَلَتْهُ الأُمَّةُ كَافَّةً جَمِيعًا لا مِنْ طَرِيقِ الآحَادِ، ومَا قَدْ ضَمِنَ اللهُ جَمْعَهُ وقُرْأَنَهُ.
قالَ أَبو عُبَيْدٍ: وهَذِه الآيةُ مِمَّا نُسِخَ مِنَ القُرْآنِ خَطُّهُ وثَبَتَ حُكْمَهُ (١).
وفِي اسْتِلْقَاءِ عُمَرَ نَفْسِهِ عَلَى التُّرَابِ: تَوَاضُعُ الإمَامِ العَدْلِ، والزُّهْدُ في
(١) لم أجد هذا النقل في كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد، فلعله ذكره في كتاب آخر.