للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قالَ مَالِكٌ: وقَدْ كَانَ حَكِيمُ بنُ حِزَام يَأْبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ عُمَرَ بنِ الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مَا كَانَ يُعْطِيهِ مِنْ عَطَايَاه الوَاجِبةِ لَهُ، وكَانَ يَتَأَوَّلُ في ذَلِكَ حَدِيثًا سَمِعَهُ مِنَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قالَ: "أَنَّ خَيْرَاً لأَحَدِكُمْ أَنْ لَا يَأخُذَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئَاً".

[قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ]: وهَذا الحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَهُ عَنْ مَسْأَلةٍ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ، ولَا يَخْتَلِفُ حَدِيثُ عُمَرَ وحَدِيثُ حَكِيمٍ، وفِي إشْهَادِ عُمَرَ عَلَيْهِ حِينَ كَانَ يأْبَى أَنْ يَأْخُذَهَ، دَلِيل عَلَى أَنَّ أَخْذَ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ، لأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلةٍ، ولَوْ كَانَ التَّرْكُ خَيْراً عَلَى الجُمْلَةِ مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ عُمَرُ، ولَعَذَرَهُ بِتَرْكِهِ إيَّاهُ.

* [قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ]: قَوْلُ الرَّجُلِ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ سَأَلهُ أَنْ يُعْطِيهِ، ولَمْ يَكُنْ عِنْدَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ما يُعْطِيهِ، فَقَالَ لَهُ: "إنَّكَ لَتُعْطِي مَنْ شِئْتَ"، هَذا رَجُل جَاهِل، لأَنَّهُ اتَّهَمَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -[بالمَنع] (١) إيَّاهُ.

قالَ مَالِكٌ: مَنْ تَوَلَّى إعْطَاءَ الصَّدَقَاتِ لَمْ يَعْدِمْ مَنْ يَلُومَهُ، وقَدْ كُنْتُ أَتَولَّى

إعْطَاءَهَا بِنَفْسِي حَتَّى أُوذِيتُ فَتَركتُهَا (٢).

[قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ]: قَوْلُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَأَلَ ولَهُ أُوقِيَّةٌ أَو عَدْلُهَا مِنَ الوَرِقِ فَقَدْ أَلْحَفَ في مَسألَتِهِ"، والمُلْحِفُ [هُوَ] (٣) الذِي لَا تِحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَخَذَهَا [سَرَفاً] (٤)، وأَمَّا مَنْ أتَاهُ شَيءٌ عَنْ غَيْرِ مَسْأَلةٍ فَمَبُاحٌ [لَهُ أَخْذُهُ]، ومُبَاحٌ لَهُ تَرْكُهُ إنْ أَحَبَّ ذَلِكَ.

* [قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ]: إنَّمَا غَضِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى الرَّجُلِ الذِي كَانَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّدَقةِ [وأَرَادَ إبِلاً] (٥) سأَلهُ مِنْهَا، فَغَضِبَ وَلَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا


(١) ما بين المعقوفتين ليس واضحة في الأصل، واستظهرته بما رأيته مناسباً للسياق.
(٢) نقل كلام مالك: ابن عبد البر في التمهيد ٤/ ٩٦.
(٣) ما بين المعقوفتين زيادة يقتضيها السياق.
(٤) ما بين المعقوفتين لم يظهر في الأصل، واستظهرته بما رأيته مناسباً للسياق، وكذا المعقوفتين التاليتين.
(٥) ما بين المعقوفتين أصابه البلل فلم يظهر واستظهرته بما رأيته مناسباً لسياق الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>