للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين التحري واليقين فرق. أما حديث عبد الرحمن بن عوف: "إذا لم يدر ثلاثاً صلى أو اثنتين، جعلها اثنتين"، ١ فهذا عمل على اليقين، والذي يتحرى يكون قد صلى ثلاثاً فيدخل قلبه شك، إنما صلى اثنتين إلا أن أكثر ما في نفسه أنه صلى ثلاثاً، فـ"هذا يتحرى أصوب ذلك، ويسجد بعد السلام". وروي هذا عن علي وابن مسعود، وقاله أصحاب الرأي. إن تكرر ذلك عليه، وإن كان أول ما أصابه، أعاد الصلاة، لقوله: "لا غرار في صلاة، ولا تسليم". ٢

والرواية الثانية: "يبني على اليقين، ويسجد قبل السلام، إماماً كان أو منفرداً". وهو قول مالك والشافعي، لحديث أبي سعيد وعبد الرحمن. والأولى هي المشهورة عن أحمد، لحديث ابن مسعود. وإنما حملناه على الإمام لأن له من ينبهه، والمنفرد ليس كذلك؛ فيبني على اليقين ليحصل له تمام صلاته، ولا يكون مغرراً بها؛ وهو معنى قوله: "لا غرار في صلاة". وعلى الرواية الثانية، يحمل حديث أبي سعيد وعبد الرحمن، على من لا ظن له، وقول أصحاب الرأي يخالف السنة الثابتة. ومعنى: "لا غرار" أي: لا نقص من صلاته، ويحتمل أنه أراد: لا يخرج منها وهو شاك في تمامها.

ومن بنى على اليقين لم يشك، وكذا من بنى على غالب ظنه ووافقه المأمومون أو ردوا عليه. وإذا سها الإمامُ لزم المأمومين تنبيهُهُ؛ فإن كانوا رجالاً سبحوا، وإن كانوا نساءً صفقن، وبه قال الشافعي. وقال مالك: التسبيح للكل لقوله: "من نابه شيء في صلاته فليقل: "سبحان الله"". ٣ ولنا: حديث أبي هريرة: " التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء ". ٤ وحديث مالك في حق الرجال، فإن حديثنا يفسره.

وإذا سبح به اثنان يثق بقولهما، لزمه قبوله، سواء غلب على ظنه صوابهما أو خلافه. وقال الشافعي: إن غلب على ظنه خطؤهما، لم يعمل بقولهما. وإن كان على يقين من


١ الترمذي: الصلاة (٣٩٨) .
٢ أبو داود: الصلاة (٩٢٨) .
٣ البخاري: الجمعة (١٢١٨) , ومسلم: الصلاة (٤٢١) , والنسائي: الإمامة (٧٨٤, ٧٩٣) والسهو (١١٨٣) وآداب القضاة (٥٤١٣) , وأبو داود: الصلاة (٩٤٠) , وأحمد (٥/٣٣٦) , ومالك: النداء للصلاة (٣٩٢) .
٤ البخاري: الجمعة (١٢٠٣) , ومسلم: الصلاة (٤٢٢) , والترمذي: الصلاة (٣٦٩) , والنسائي: السهو (١٢٠٧, ١٢٠٨, ١٢٠٩, ١٢١٠) , وأبو داود: الصلاة (٩٣٩) , وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (١٠٣٤) , وأحمد (٢/٢٤١, ٢/٢٦١, ٢/٣١٧, ٢/٣٧٦, ٢/٤٣٢, ٢/٤٤٠, ٢/٤٧٣, ٢/٤٧٩, ٢/٤٩٣, ٢/٥٠٧, ٢/٥٢٩) , والدارمي: الصلاة (١٣٦٣) .

<<  <   >  >>