للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومَن منزله دون الميقات، فمِن موضعه، هذا قول الأكثر. وعن مجاهد: يهلّ من مكة، والصحيح الأول، فإن في حديث ابن عباس: "فمن كان دونهن، فمهلّه من أهله". ١ وكل ميقات فخذوه بمنزلته. ثم إن كان منزله في الحل فإحرامه منه، وإن كان في الحرم فإحرامه للعمرة من الحل، ليجمع في النسك بين الحل والحرم. وأما الحج فينبغي أن يجوز له الإحرام من أي الحرم كالمكي، لأن أفعال العمرة كلها في الحرم، بخلاف الحج؛ قال جابر: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحرم إذا توجهنا من الأبطح". ٢ فلا فرق بين قاطني مكة وغيرهم. ومن لم يكن طريقه على ميقات، فإذا جاء أقرب المواقيت إليه أحرم، لقول عمر: "انظروا حذوها من طريقكم، فوقت لهم ذات عرق".

فإن تجاوز الميقات وهو لا يريد الحرم، لم يلزمه الإحرام بغير خلاف. فإن بدا له الإحرام أحرم من موضعه، وبه قال مالك والشافعي. وحكى ابن المنذر عن أحمد: أنه يرجع إلى الميقات فيحرم، وبه قال إسحاق؛ والأول أصح، وكلام أحمد يحمل على من تجاوزه وهو يجب عليه الإحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ممن كان يريد الحج والعمرة" ٣.

فإن أراد أن يدخل مكة لقتال مباح، أو لحاجة كالحطاب وناقل الميرة، فلا إحرام عليهم، "لأنه صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح وهو حلال، وعلى رأسه المغفر وكذلك أصحابه". وقال أبو حنيفة: لا يجوز لأحد أن يدخل الحرم بغير إحرام، إلا من كان دون الميقات.

ومن لا يجب عليه الحج، كالعبد والصبي والكافر إذا أعتق أو بلغ أو أسلم، بعد تجاوز الميقات، فإنهم يحرمون من موضعهم، ولا دم عليهم؛ وبه قال مالك وإسحاق. والمكلف الذي يدخل لغير قتال أو حاجة مكررة، لا يجوز له تجاوز الميقات غير محرم؛ وعنه: ما يدل على أنه لا يجب، لما روي "أن ابن عمر دخلها بغير


١ البخاري: الحج (١٥٢٦) , ومسلم: الحج (١١٨١) , وأحمد (١/٣٣٢) .
٢ مسلم: الحج (١٢١٤) .
٣ البخاري: الحج (١٥٢٩) , ومسلم: الحج (١١٨١) , وأحمد (١/٢٤٩, ١/٢٥٢, ١/٣٣٢, ١/٣٣٩) , والدارمي: المناسك (١٧٩٢) .

<<  <   >  >>