للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفتح، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} الآية، ١ وهذا وعيد شديد، ولأن ما لا يتم الواجب إلا به، واجب.

وأما من عجز عنه لمرض أو غيره، فلا عليه، للآية. فإن تمكن من إظهار دينه، استحب له الهجرة ليتمكن من الجهاد، وإكثاراً لعدد المسلمين.

ومن عليه ديْن حالاً أو مؤجلاً، لم يخرج إلى الجهاد إلا بإذن غريمه، إلا إن ترك وكيلاً أو وفاء أو رهناً، وبه قال الشافعي، ورخص فيه مالك لمن لا يقدر على الوفاء؛ وإن تعين فلا إذن لغريمه.

و"من أبواه مسلمان لم يجاهد تطوعاً إلا بإذنهما". يروى عن عمر وعثمان، وبه قال مالك والشافعي وسائر أهل العلم، لحديث عبد الله بن عمر وغيره. فإن كانا غير مسلمين، فلا إذن لهما، وقال الثوري: بلى، لعموم الأخبار. ولنا: "أن الصحابة يجاهدون، وفيهم من أبواه كافران، وأبو عبيدة قتل أباه"، فأنزل الله: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الآية ٢، فإن تعين سقط إذنهما.

ولا يجوز الفرار للمسلمين من صفهم، إلا متحرفين أو متحيزين، فإن زاد الكفار فلهم الفرار، لقوله: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً} . ٣ وحكي عن الحسن أنها في بدر خاصة. ولنا: أن الأمر مطلق والخبر عام، وعدّه النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر، فإن زادوا جاز، لقول ابن عباس: "من فرَّ من اثنين فقد فرَّ، ومن فرّ من ثلاثة فما فرّ".

فإذا خشي الأسر، فالأولى أن يقاتل حتى يُقتل، فإن استأسر جاز، لقصة خبيب وأصحابه. "فأخذ عاصم بالعزيمة، وخبيب بالرخصة". ومن فر قبل إحراز الغنيمة، فلا شيء له. فإن ألقى في مركبهم ناراً،


١ سورة النساء آية: ٩٧.
٢ سورة المجادلة آية: ٢٢.
٣ سورة الأنفال آية: ١٥.

<<  <   >  >>