للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الباقون فانتقض عهدهم. وإن شرط فيها شرطاً فاسداً، كنقضها متى شاء، أو رد النساء إليهم، أو إدخالهم الحرم، لم يصح الشرط، وفي العقد وجهان. وإن قال: هادنتكم ما شئنا أو شاء فلان، أو شرط ذلك لنفسه دونهم، لم يصح، لأنه ينافي مقتضى العقد، كما لو شرطه في البيع أو النكاح. وقال القاضي: يصح، وهو قول الشافعي، لقوله لأهل خيبر: "نقرّكم ما أقرّكم الله". ١ ولنا: أنه عقد لازم، فلم يجز اشتراط نقضه. وقصة أهل خيبر لم تكن هدنة، وإنما ساقاهم، وقد وافقوا الجماعة في أنه لو شرط في الهدنة: أقركم ما أقركم الله، لم يصح، فكيف يجتمعون مع الإجماع على عدم جوازه. كذلك إن شرط إدخالهم الحرم فهو فاسد، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} الآية ٢.

وإذا عقد الهدنة من غير شرط، فجاءنا منهم إنسان مسلماً أو بأمان، لم يجب ردّه ولم يجز. ولا يجب رد مهر المرأة. وقال بعض أصحاب الشافعي: إن خرج العبد إلينا قبل إسلامه، ثم أسلم، لم يرد إليهم؛ فإن أسلم قبل خروجه إلينا، لم يصر حراً، لأنه في أمان منا. وقال الشافعي في قوله: إذا جاءت امرأة مسلمة رد مهرها، لقوله: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} الآية. ٣ ولنا: أنه من غير دار الإسلام خرج إلينا، فلم يجب رده ولا رد شيء عنه كالحر، كما لو أسلم بعد خروجه. وقوله: إنه في أمان منا، قلنا: إنما أمناهم ممن هو في دار الإسلام الذين هم في قبضة الإمام، كما لو خرج قبل إسلامه، ولهذا "لما قتل أبو بصير الرجل، لم ينكر عليه ولم يضمنه. فلما انفرد هو وأصحابه فقطعوا الطريق عليهم، لم ينكر ذلك عليهم ولم يأمرهم بردّ ما أخذوه.


١ البخاري: الشروط (٢٧٣٠) .
٢ سورة التوبة آية: ٢٨.
٣ سورة الممتحنة آية: ١٠.

<<  <   >  >>