للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلا بقبضه، لا يجوز بيعه حتى يقبضه، لا نعلم فيه خلافاً، إلا ما حكي عن البتي: أنه لا بأس ببيع كل شيء قبل قبضه. قال ابن عبد البر: وهذا مردود بالسنة والحجة المجمعة على الطعام، وأظنه لم يبلغه الحديث؛ ومثل هذا لا يلتفت إليه.

والبيع بصفة أو رؤية متقدمة من ضمان البائع حتى يقبضه المبتاع. وإن تعيّب في يد البائع أو تلف بعضه بآفة سماوية، خُيّر المشتري بين أخذه ناقصاً وبين الفسخ.

وما عدا المكيل والموزون يجوز التصرف فيه قبل قبضه، في أظهر الروايتين، وقال الشافعي: لا يجوز بيع شيء قبل قبضه. ولنا: على جواز التصرف فيه قبل قبضه ما روى ابن عمر قال: "كنا نبيع الإبل في البقيع بالدراهم، فنأخذ بدل الدراهم الدنانير، وبالدنانير فنأخذ بدلها الدراهم. فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء"، وهذا تصرف في الثمن قبل قبضه. وقال صلى الله عليه وسلم في البكر: " هو لك يا عبد الله بن عمر، فاصنع به ما شئت". ١

ولنا على أنه إذا تلف فمن مال المشتري: قوله: "الخراج بالضمان"، ٢ وهذا نماؤه له. وأما أحاديثهم، فقد قيل: لم يصح منها إلا حديث الطعام، وهو حجة لنا بمفهومه. وكل عوض ملك بعقد، ينفسخ بهلاكه قبل القبض، لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه. والأجرة وبدل الصلح عن دم العمد، إذا كان من المكيل والموزون أو المعدود، وما لا ينفسخ بهلاكه، يجوز التصرف فيه، كعوض الخلع والعتق على مال، لأن المقتضي للتصرف الملك وقد وجد. لكن ما يتوهم فيه غرر لانفساخه بهلاك المعقود عليه، لم يجز لنا بناء عقد آخر عليه، تحرزاً من الغرر. وما لا يتوهم فيه ذلك، جاز العقد عليه؛ وهذا قول أبي حنيفة، والمهر كذلك، لأنه لا ينفسخ بهلاكه. وقال الشافعي: لا يجوز التصرف فيه قبل


١ البخاري: الهبة وفضلها والتحريض عليها (٢٦١١) .
٢ الترمذي: البيوع (١٢٨٥) , والنسائي: البيوع (٤٤٩٠) , وأبو داود: البيوع (٣٥٠٨) , وابن ماجة: التجارات (٢٢٤٣) .

<<  <   >  >>