فأكثر أهل العلم يرون العفو عن يسيره"، روي عن ابن عباس وأبي هريرة وغيرهما. وروي عن الحسن وسليمان التيمي: لا يعفى عنه. ولنا: قول عائشة: "يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض، تم ترى فيه قطرة من الدم، فتقصعه بريقها"، ١ وفي رواية: "تبلّه بريقها، ثم تقصعه بظفرها". رواه أبو داود. وهذا يدل على العفو، لأن الريق لا يطهره، ويتنجس به ظفرها. وهو إخبار عن دوام الفعل؛ ومثل هذا لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه قول مَن سمينا من الصحابة، ولم يعرف لهم مخالف. والقيح والصديد مثله، إلا أن أحمد قال: هو أسهل. وقال أبو مجلز في الصديد: إنما ذكر الله الدم المسفوح. وقال أُميّ بن ربيعة: رأيت طاووساً كان إزاره نطعاً، من قروح كانت برجليه، ونحوه عن مجاهد.
ودم ما لا نفس له سائلة، كالذباب ونحوه، طاهر، لأنه لو كان نجساً لنجس الماء اليسير إذا مات فيه، ولأن الله سبحانه إنما حرم الدم المسفوح.
والأجسام الصقيلة يعفى عن كثير النجاسة فيها بعد المسح. وعنه: في المذي والقيء وريق البغل والحمار وسباع البهائم والطير، وعرَقها وبول الأخفاش، والنبيذ والمني، أنه كالدم. وعنه: في المذي يجزئ فيه النضح. وروى الخلال بإسناده قال: سئل ابن المسيب وعروة وأبو سلمة وسليمان بن يسار عن المذي، فكلهم قال: إنه بمنزلة القرحة، فما علمت منه فاغسله، وما غلبك منه فدعْه. وعنه: في ريق البغل والحمار وعرَقهما: من يسلم من هذا ممن يركب الحمير؟ وقال الشعبي والحكم: لا بأس ببول الخفافيش، وكذلك الخطاف، لأنه يشق التحرز منه، فإنه كثير في المساجد. وقال أبو حنيفة: يعفى عن يسير جميع النجاسات. ولنا: قوله: "تنزّهوا من البول". وما لا نفس له سائلة، لا ينجس بالموت، ولا ينجس الماء إذا مات فيه، قال ابن
١ أبو داود: الطهارة (٣٦٤) , والدارمي: الطهارة (١٠٠٩) .