للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبي - صلى الله عليه وسلم - بما لم ينه عن كراء الأرض نهي تحريم وإنما قال: " أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ شيئًا معلوماً"، (١) وترجم البخاري للباب بقوله: "باب ما كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يواسي بعضم بعضاً". (٢)

- ومن أمثلة ذلك الأحاديث التي وردت في أنه لا حلف في الإِسلام، ومنها ما رواه مسلم أَنّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا حِلْفَ فِي الإِسْلاَمَ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كانَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلاَمُ إِلَّا شِدَّةً". (٣)

فقوله: "لَا حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ" يُفهم من ظاهره عموم تحريم كلّ أنواع المحالفة في الإِسلام، ولكن لما سئل أنس بن مالك عن حديث النهي هذا، أنكر هذا الفهم واستدلّ على ذلك بما شهده هو بنفسه في داره من عقد الرسول - صلى الله عليه وسلم - حلفاً بين قريش والأنصار وهو حِلْف في الإِسلام، وذلك ما رواه مسلم عن عاصم الأحول قَالَ قيل لأَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ: بَلَغَكَ أَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ"؟ فَقَالَ أنس: قَدْ حَالَفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِه". (٤) فهذه قرينة تدل على أن النهي ليس على عمومه، ولذلك قال النووي: "أما المؤاخاة في الإِسلام، والمحالفة على طاعة الله، والتناصر في الدين، والتعاون على البر والتقوى، وإقامة الحق فهذا باقٍ لم يُنسخ، وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأحاديث: "وَأَيُّمَا حِلْف" كانَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلاَمُ إِلَّا شِدَّةً وأما قوله: "لَا حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ" فالمراد به حلف التوارث، والحلف على ما منع الشرع منه". (٥)

- ومن ذلك حديث النهي عن خطبة المسلم على خطبة أخيه: روى الإمام مالك عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لَا يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ". (٦)


(١) صحيح البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب (١٨)، مج ٢، ج ٣، ص ١٠٢، الحديث (٢٣٤٢).
(٢) المصدر السابق، كتاب الحرث والمزارعة، باب (١٨)، مج ٢، ج ٣، ص ١٠١.
(٣) صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب (٥٠)، ج ٤، ص ١٩٦٠، الحديث (٢٥٣٠).
(٤) المصدر السابق، كتاب فضائل الصحابة، باب (٥٠)، ج ٤، ص ١٩٦١، الحديث (٢٥٢٩).
(٥) النووي، أبو شرف يحيى بن زكريا: صحيح مسلم بشرح النووي، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط ٣، ١٤٠٤ هـ / ١٩٨٤ م)، ج ١٦، ص ٨٢.
(٦) الموطأ، ح ٢، ص ٦١ - ٦٢.

<<  <   >  >>