للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الاستقراء التام بشرطه المذكور يفيد القطع.

أما الإتجاه الثاني فلم يلتزم أصحابه بالتعريف المنطقي، ومنهم ابن السبكي في جمع الجوامع، (١) حيث جعل الاستقراء التام هو استقراء كل الجزئيات إلَّا صورة النزاع. وبنفس التعريف عرفه ابن النجار الحنبلي في شرح الكوكب المنير (٢) وما اعتبروه استقراء تامًّا هو في الحقيقة استقراء ناقص لأنه لم يشمل صورة التراع، وهي واحدة من جزئيات ذلك الكلي. فكيف يمكن اعتبار الاستقراء تامًّا مع عدم شموله لها؟ كما أن المثال الذي مثلوا له به ليس فيه استقراء تام، وهو"نحو كل جسم متحيز فإنا استقرأنا جميع جزئيات الجسم فوجدناها منحصرة في الجماد والنبات والحيوان، وكل من ذلك متحيز، فقد أفاد هذا الاستقراء الحكم يقينًا في كلي، وهو الجسم الذي هو مشترك بين الجزئيات، فكل جزئي من ذلك الكلي يُحكم عليه بما حُكِم به على الكلي. إلّا صورة النزاع، فيُستدل بذلك على صورة النزاع". (٣) فقوله: "إنا استقرأنا جميع جزئيات الجسم" غير مسلَّم، إذْ لم يتم استقراؤها كلها، بل بعضها فقط.

وقد جزم ابن النجار بإفادة هذا الاستقراء القطع بقوله: "وهو مفيد للقطع". (٤) أما السبكي فقد ذهب أيضًا إلى أنه يفيد القطع، إلَّا أنه أشار إلى أن البعض يرى أنه يفيد الظن فقط لإحتمال مخالفة تلك الصورة التي لم يشملها الاستقراء، وهي محل النزاع. (٥)

وهذا الاستقراء لا يُعدّ عند أصحاب الإتجاه الأول تامًّا، ونتيجته ليست قطعية، بل هي ظنية فقط.

٢ - الاستقراء الناقص: أما الاستقراء الناقص فهو استقراء أكثر الجزئيات لإثبات الحكم للكلي المشترك بين جميع تلك الجزئيات، (٦) أي أنه الاستقراء الذي لا


(١) انظر البناني: حاشية البناني على شرح الجلال المحلي على متن جمع الجوامع، ج ٢، ص ٣٤٥ - ٣٤٦.
(٢) انظر ابن النجار: شرح الكوكب المنير، ج ٤، ص ٤١٨ - ٤١٩.
(٣) المصدر السابق، الصفحة نفسها.
(٤) المصدر السابق، ج ٤، ص ٤١٩.
(٥) انظر البناني: حاشية البناني على شرح الجلال المحلي على متن جمع الجوامع، ج ٢، ص ٣٤٥ - ٣٤٦.
(٦) انظر في ذلك مثلًا: ابن النجار: شرح الكوكب المنير، ج ٤، ص ٤١٩؛ الغزالي: المستصفى، ج ١، ص ٥٥ - ٥٦.

<<  <   >  >>