للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٣٢ - قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (١٣/ ٤١٣): " قال الخطابي: المراد بالكتاب أحد شيئين: إما القضاء الذي قضاه كقوله تعالى {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} أي قضى ذلك. قال: ويكون معنى قوله "فوق العرش" أي: عنده علم ذلك فهو لا ينساه ولا يبدله ...

وإما اللوح المحفوظ .. ويكون معنى "فهو عنده فوق العرش" أي: ذكره وعلمه، وكل ذلك جائز في التخريج ... وقوله: "فوق عرشه صفة الكتاب"

وقال ابن أبي جمرة: يؤخذ من كون الكتاب المذكور فوق العرش: أن الحكمة اقتضت أن يكون العرش حاملا لما شاء الله من أثر حكمة الله وقدرته وغامض غيبه؛ ليستأثر هو بذلك من طريق العلم والإحاطة ... وقد يكون ذلك تفسيرا لقوله: {الرحمن على العرش استوى} أي: ما شاءه من قدرته، وهو كتابه الذي وضعه فوق العرش ". وذلك في كلامه على حديث رقم ٧٤٢٢، كتاب التوحيد، باب ٢٢.

ــ التعليق ــ

قال الشيخ البراك: هذا الحديث من أدلة أهل السنة على علو الله فوق خلقه واستوائه على عرشه، وهو يدل كذلك على أن الكتاب الذي كتبه كتب فيه على نفسه أن رحمته تغلب غضبه عنده فوق العرش، وهذه العندية؛ عندية مكان لقوله: "فوق العرش"، وهذا الكتاب يحتمل أن يكون هو اللوح المحفوظ الذي هو أم الكتاب - وهو كتاب المقادير- ويحتمل أنه غيره فهو كتاب خاص، والله أعلم.

وعلى كل فلا يمتنع أن يكون الكتاب المذكور عند الله تعالى فوق العرش كما هو ظاهر الحديث، ولا موجب لتأويله بصرفه عن ظاهره كما صنع ذلك الخطابي عندما قال: "المراد بالكتاب أحد الشيئين ... إلخ"، فنفى على كل من التقديرين أن يكون فوق العرش كتاب؛ إذ تأول الكتاب بعلم الله تعالى بما كتب على نفسه، أو أن الذي عنده ذكر الكتاب وعلمه، والحامل له على هذا التأويل إما اعتقاد أن الله ليس بذاته فوق العرش، فلا يكون شيء من المخلوقات عنده فوق العرش، وإما اعتقاد امتناع أن يكون شيء غير الله فوق العرش. والأول باطل بأدلة العلو والاستواء، والثاني لا دليل عليه. بل هذا الحديث بمجموع ألفاظه يدل على بطلانه؛ فقد دلّ الحديث على أن هذا الكتاب عند الله فوق العرش، والله تعالى أعلم بنفسه، والرسول الذي أخبر بذلك أعلم بربه، فليس لأحد أن يعارض خبره صلى الله عليه وسلم. وأما ما نقله الحافظ عن ابن أبي جمرة فهو على النقيض من قول الخطابي؛ فإنه يثبت أن فوق العرش كتابًا وهو مما اقتضته حكمته وقدرته، ولكن من المنكر في كلامه قوله: "وقد يكون تفسيرًا لقوله: "الرحمن على العرش استوى" ... إلخ"؛ فإن ذلك يقتضي أن إضافة الاستواء إلى الله عز وجل مجاز، وأن المراد به كون ذلك الكتاب فوق العرش، فيؤول معنى قوله: "الرحمن على العرش استوى" إلى معنى: " كتابه على العرش استوى" وهذا ظاهر الفساد؛ فإنه تحريف للكلم عن مواضعه.