٧١ – قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:(١١/ ١٠١) على حديث رقم ٦٣٠٧: "وقد استشكل وقوع الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معصوم، والاستغفار يستدعي وقوع معصية.
وأجيب بعدة أجوبة: منها ما تقدم في تفسير الغين، ومنها قول ابن الجوزي: هفوات الطباع البشرية لا يسلم منها أحد، والأنبياء وإن عصموا من الكبائر، فلم يعصموا من الصغائر، كذا قال، وهو مفرع على خلاف المختار، والراجح عصمتهم من الصغائر أيضا .... ".
ــ التعليق ــ
قال الشيخ البراك: قوله: "والراجح عصمتهم من الصغائر أيضاً": في هذا الترجيح نظر، بل الراجح جواز بل وقوع الصغائر منهم، والسهو والنسيان من باب أولى؛ فهذا آدم عليه السلام نسي وعصى، فقال تعالى:"ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما"[طه ١١٥]، وقال تعالى:"وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى"[طه ١٢١]، وهذا نوح عليه السلام سأله ربه ما ليس له أن يسأله كما قال تعالى:"فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين قال ربي إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين"[هود ٤٦،٤٧]، وهذا موسى عليه السلام قتل نفسًا لم يؤمر بقتلها فندم وقال:"رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم"[القصص ١٦].
وإن كان هذا قبل الإرسال فهو وارد على القائلين بالعصمة مطلقًا، وقد عاتب الله عز وجل نبيه في مواضع من القرآن فقال:"عفا الله عنك لم أذنت لهم"[التوبة ٤٣]، وقال:"ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض"[الأنفال ٦٧]، وقال:"عبس وتولى"[عبس ١].
والمقطوع به أنهم صلوات الله وسلامه عليهم معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى، ومن الإقرار على شيء من الذنوب أو الخطأ، ومعصومون من الذنوب التي تنفر عن دعوتهم. والمقتضي للاستغفار أعم من أن يكون ذنبًا، بل قد يكون تقصيرًا عما يطلب من الكمال، وقد يكون شعورًا بالتقصير وإن لم يكن، وهذا من الكمال، وبهذا يتحقق لهم كمال العبودية في سائر مقامات الدين والله أعلم.