١٦٧ - قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (١٣/ ٥٠١): "قوله: (باب قول الله تعالى: وأسروا قولكم) أشار بهذه الآية إلى أن القول أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره؛ فإن كان بالقرآن فالقرآن كلام الله، وهو من صفات ذاته".
وذلك في كتاب التوحيد، باب ٤٤.
ــ التعليق ــ
قال الشيخ البراك: قوله: "وأشار بهذه الآية إلى أن القول أعم من أن يكون بالقرآن .... إلخ": فيه نظر من وجهين:
أولاً: دعوى أن القول في الآية يشمل القرآن؛ وهذا لا يصح لأن القول في الآية مضاف للمخاطبين، والقرآن ليس قولاً لهم وإن أدّوه بأصواتهم وأفعالهم؛ ولهذا يقال: الكلام كلام الباري، والصوت صوت القارئ. وإضافة القرآن للرسول من الملائكة والرسول من البشر إضافة تبليغ كما يشعر بذلك لفظ الرسول.
ثانيًا: دعوى أن البخاري أشار بهذه الآية إلى أن القول أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره لا تصح؛ لما تقدم من أن القرآن لا تصح إضافته قولاً لكل قارئ، والأظهر أن البخاري أشار بالآية إلى أن أفعال العباد مخلوقة لأن أقوالهم من أفعالهم، وقد قال الله سبحانه وتعالى:"ألا يعلم من خلق"، ففي الآية رد على القدرية القائلين بأن أفعال العباد مخلوقة لهم.
وقوله:"فالقرآن كلام الله وهو من صفات ذاته ... إلخ": ظاهره حق، ولكن المعروف من مذهب الأشاعرة أن كلام الله معنى نفسي؛ فالقرآن الذي هو كلام الله حقيقة هو ذلك المعنى النفسي، وهذا عندهم ليس بمخلوق قطعًا، كعلمه وقدرته، وأما القرآن المكتوب المسموع والمحفوظ فهو عبارة عن ذلك المعنى النفسي، وعلى هذا فتسميته كلام الله مجاز. والحق أن القرآن كلام الله حقيقة - حروفه ومعانيه - وهو المحفوظ في الصدور والمكتوب في المصاحف المحفوظ المسموع، وعلى هذا فالقول في الآية هو المعنى المصدري بمعنى التلفظ والتكلم والنطق؛ وهذه كلها من أفعال العباد، وهي مخلوقة، وأما القول بمعنى المقول فإن كان من كلام الله فليس بمخلوق، وإن أدّاه العبد بفعله عند تلاوته، وإن كان كلامًا لبعض العباد فهو مخلوق، وهذا هو الذي قصد إليه البخاري في هذه التراجم المتتالية، وهو الفرق بين اللفظ الذي هو فعل العبد، والملفوظ الذي هو القرآن كما نبه على ذلك ابن المنير في كلامه بعد هذا.