١٣٥ - قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (١٣/ ٤٢٦): "ومنع جمهور المعتزلة من الرؤية، متمسكين بأن من شرط المرئي أن يكون في جهة، والله منزه عن الجهة، واتفقوا على أنه يرى عباده؛ فهو راء لا من جهة، واختلف من أثبت الرؤية في معناها؛ فقال قوم: يحصل للرائي العلم بالله تعالى برؤية العين كما في غيره من المرئيات، وهو على وفق قوله في حديث الباب: "كما ترون القمر" إلا أنه منزه عن الجهة والكيفية ... وقال ابن بطال: ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الآخرة". وذلك في كلامه على كتاب التوحيد، باب ٢٤.
ــ التعليق ــ
قال الشيخ البراك: قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة}: هي أصرح آية في الدلالة على رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة بأبصارهم؛ فإن النظر إذا عدي بإلى اختص بنظر العين، وقد اختلف الناس في مسألة الرؤية: فذهب أهل السنة إلى أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم عيانًا من فوقهم من غير إحاطة، كما دل على ذلك الكتاب والسنة الصحيحة الصريحة كهذه الأحاديث التي ذكرها البخاري في الباب. وذهبت المعتزلة إلى نفي الرؤية وتأولوا الآيات والأحاديث بصرفها عن ظاهرها، وردّ ما أمكنهم ردّه من السنة على أصولهم. وذهب الأشاعرة إلى إثبات الرؤية بالأبصار، لكن قالوا: إن الله تعالى يُرى لا في جهة بناء على مذهبهم في نفي العلو؛ فأثبتوا رؤية غير معقولة، فخالفوا بذلك العقل والشرع، وكانوا بذلك متذبذبين بين النفاة والمثبتين، بل كانوا أقرب إلى مذهب النفاة كالمعتزلة وغيرهم.
وكل ما ذكر الحافظ في هذا المقام ونقله عن الشراح يدور حول مذهب المعتزلة ومذهب الأشاعرة، وفيه من الحق ردّ مذهب المعتزلة، ومن الباطل نفي علو الله تعالى، ونفي أن يرى في جهة العلو بل يرى لا في جهة؛ مما أوجب لهم الحيرة والاضطراب، وظهور حجة المعتزلة عليهم. وليس لمذهب أهل السنة المحضة ذكر صريح.
وقول ابن بطال:"وذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله تعالى في الآخرة ... إلخ" كلام مجمل، والظاهر أن مراده بأهل السنة: الأشاعرة.