١٦٨ - قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (١٣/ ٥١٣): "قوله: (من تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولته) لم يقع: (وإذا أتاني ....) إلخ في رواية الطيالسي، قال ابن بطال: وصف سبحانه نفسه بأنه يتقرب إلى عبده، ووصف العبد بالتقرب إليه، ووصفه بالإتيان والهرولة كل ذلك يحتمل الحقيقة والمجاز؛ فحملها على الحقيقة يقتضي قطع المسافات وتداني الأجسام وذلك في حقه تعالى محال، فلما استحالت الحقيقة تعين المجاز لشهرته في كلام العرب، فيكون وصف العبد بالتقرب إليه شبرا وذراعا وإتيانه ومشيه معناه التقرب إليه بطاعته وأداء مفترضاته ونوافله، ويكون تقربه سبحانه من عبده وإتيانه والمشي عبارة عن إثابته على طاعته وتقربه من رحمته، ويكون قوله: أتيته هرولة أي أتاه ثوابي مسرعا .... فإن المراد به قرب الرتبة وتوفير الكرامة. والهرولة كناية عن سرعة الرحمة إليه ورضا الله عن العبد وتضعيف الأجر، قال: والهرولة ضرب من المشي السريع وهي دون العدو، وقال صاحب المشارق: المراد بما جاء في هذا الحديث سرعة قبول توبة الله للعبد أو تيسير طاعته وتقويته عليها وتمام هدايته وتوفيقه، والله أعلم بمراده".
وذلك في كلامه على حديث رقم ٧٥٣٦، ٧٥٣٧، كتاب التوحيد، باب ٥٠.
ــ التعليق ــ
قال الشيخ البراك: قول ابن بطال: "وصف سبحانه نفسه بأنه يتقرب إلى عبده ... كل ذلك يحتمل الحقيقة والمجاز ... فلما استحالت الحقيقة تعين المجاز": الصواب أن ما تضمنه الحديث من ذكر التقرب والمشي والهرولة على ظاهره حسبما يقتضيه سياق الكلام، ومعلوم أن المشي المضاف للعبد والهرولة المضافة لله تعالى ليس المراد به قطع المسافة بل مزيد التقرب كما يدل عليه ما قبله.
وأما التقرب المضاف للعبد، والتقرب المضاف إليه سبحانه فإنه يتضمن ما ذكره ابن بطال، ولكن ذلك لا ينفي دلالة الحديث على أن الله عز وجل يتقرب من عبده متى شاء كيف شاء، وذلك مما يدل عليه اسمه:(القريب)؛ فهو سبحانه قريب من داعيه وعابديه، وهو سبحانه وتعالى يقرِّب إليه من شاء من عبيده، وهذا لا يشكل على مذهب أهل السنة والجماعة القائلين بمباينة الله تعالى لخلقه، وأن بعض خلقه أقرب إليه من بعض، وإنما ينكر ذلك ويستشكله نفاة العلو كالأشاعرة وغيرهم.