٥٧ – قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ٩/ ٣٢٠: قال: " قال عياض: ويحتمل أن تكون الغيرة في حق الله الإشارة إلى تغير حال فاعل ذلك، وقيل: الغيرة في الأصل الحمية والأنفة، وهو تفسير بلازم التغير فيرجع إلى الغضب، وقد نسب سبحانه وتعالى إلى نفسه في كتابه الغضب والرضا.
وقال ابن العربي: التغير محال على الله بالدلالة القطعية، فيجب تأويله بلازمه، كالوعيد أو إيقاع العقوبة بالفاعل، ونحو ذلك".
وذلك في كلامه على كتاب النكاح، باب ١٠٧.
ــ التعليق ــ
قال الشيخ البراك: دل حديث ابن مسعود على إثبات صفة الغيرة لله تعالى، وأن غيرته أكمل وأعظم من غيرة كل أحد، فيجب أن يكون القول فيها كالقول في سائر الصفات؛ وهو الإيمان بأن الله تعالى يغار حقيقة، وأن غيرته ليست كغيرة المخلوقين، بل غيرة الله تليق به سبحانه. ويدل على أن الغيرة من الله حقيقة قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث سعد المذكور مع ترجمة الباب:"أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني" والغيرة في مثل هذا السياق تتضمن الغضب لانتهاك الحرمة.
والله سبحانه يبغض ما حرم، ويغضب إذا انتهكت حرماته، وقول عياض:"ويحتمل أن تكون الغيرة في حق الله الإشارة إلى تغير حال فاعل ذلك" هو من التأويل المخالف لظاهر اللفظ بغير حجة، والحامل عليه الحذر من إضافة التغير إلى الله تعالى الذي يُشعِر به لفظ الغيرة، وهو ممتنع عنده وعند ابن العربي؛ ولهذا قال فيما نقله الحافظ ابن حجر:"التغير محال على الله بالدلالة القطعية". والحق أن التغير من الألفاظ المجملة المبتدعة في باب صفات الله تعالى؛ إذ لم يرد إطلاقه على الله تعالى نفيًا ولا إثباتًا، والواجب في مثل هذا التفصيل والاستفصال؛ فمن أراد بالإثبات أو النفي حقاً قُبل، وإن أراد باطلا رد؛ فالتغير إن أريد به النقص بعد الكمال، أو الكمال بعد النقص فهو ممتنع على الله عز وجل؛ لأنه منزه عن النقص أزلا وأبداً، وإن أريد به التغير في أفعاله تبعاً لمشيئته وحكمته - مثل أنه يحب ويبغض، ويغضب ويرضى - فذلك من كماله، وتسمية هذا تغيراً في ذاته ممنوع وباطل، والأسماء لا تغير الحقائق، والمعول في الأحكام على الحقائق والمعاني لا على الألفاظ والعبارات.