٦٢ – قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:(١٠/ ٢٥٨) على حديث رقم ٥٧٨٨
"قوله: (لا ينظر الله) أي لا يرحمه؛ فالنظر إذا أضيف إلى الله كان مجازًا، وإذا أضيف إلى المخلوق كان كناية، ويحتمل أن يكون المراد لا ينظر الله إليه نظر رحمة .. الخ
ــ التعليق ــ
قال الشيخ البراك: النظر إلى الشيء يدل في اللغة على مجرد الرؤية عن إرادة، وقد يدل مع ذلك على العناية والمحبة والإكرام. وقد جاء مضافًا إلى الله تعالى على الوجه الأول في سياق الإثبات كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب".
ويشبه هذا النوع قوله سبحانه: "ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون" [يونس ١٤]، كما يوضح ذلك قوله تعالى: "فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" [التوبة ١٠٥].
وجاء مضافًا إلى الله تعالى على الوجه الثاني في سياق النفي؛ كما في قوله تعالى: "ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم" [آل عمران ٧٧]، وفي السنة من هذا النوع كثير، ومن ذلك هذا الحديث، ويشبه هذا النوع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
والواجب في ذلك كله: إثباته لله تعالى على ما يليق به كسائر صفاته؛ كعلمه وسمعه وبصره وإرادته وحياته، وكل صفاته؛ فهو تعالى ينظر إلى ما شاء ومن شاء كيف شاء.
وما ذكره الحافظ أو نقله عن الشراح في معنى النظر من الله كله من التأويل الباطل الذي حقيقته صرف الكلام عن ظاهره بغير حجة، والحامل لهم على ذلك أن من مذهبهم نفي حقيقة العينين عن الله تعالى، ونفي الأفعال الاختيارية التابعة لمشيئته سبحانه وتعالى ومنها النظر.
ومما تقدم يتبين أن معنى - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينظر الله" أي نظر محبة وإكرام. وقريب من هذا ما جعله الحافظ احتمالا، وهو أقرب إلى الصواب؛ حيث قال: "ويحتمل أن يكون المراد لا ينظر الله إليه نظر رحمة"، والله أعلم.