للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٨٨ - قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (١١/ ٤٥٠): "وأما نسبة الإتيان إلى الله تعالى فقيل: هو عبارة عن رؤيتهم إياه؛ لأن العادة أن كل من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالمجيء إليه، فعبر عن الرؤية بالإتيان مجازا، وقيل الإتيان فعل من أفعال الله تعالى يجب الإيمان به مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن سمات الحدوث. وقيل: فيه حذف، وتقديره: يأتيهم بعض ملائكة الله، ورجحه عياض، قال: ولعل هذا الملك جاءهم في صورة أنكروها لما رأوا فيها من سمة الحدوث الظاهرة على الملك؛ لأنه مخلوق".

وذلك في كلامه على حديث رقم ٦٥٧٣، كتاب الرقاق، باب ٥٢.

ــ التعليق ــ

قال الشيخ البراك: الإتيان من الله تعالى والمجيء فعل من أفعاله سبحانه التي تكون بمشيئته كما قال تعالى: "فعال لما يريد" [البروج ١٦]، وقال: "ويفعل الله ما يشاء" [إبراهيم ٢٧]. وقد أخبر سبحانه في كتابه الكريم أنه يجيء ويأتي، وتأتي ملائكته؛ وذلك للفصل بين عباده يوم القيامة؛ قال تعالى: "وجاء ربك والملك صفًا صفًا" [الفجر ٢٢]، وقال: "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك ... الآية" [الأنعام ١٥٨].

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن هذه الأمة تبقى فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، ثم يأتيهم في الصورة التي يعرفون. وهذا كله حق على حقيقته ليس هناك ما يوجب صرفه عن ظاهره، فلذلك كان من مذهب أهل السنة إثبات المجيء لله عز وجل والإتيان، وإثبات الصورة له سبحانه، كما أثبتوا له سائر الصفات والأفعال؛ إثباتًا بلا تشبيه ولا تكييف. وأما نفي حقيقة المجيء والإتيان ونفي الصورة عن الله تعالى فهو مذهب الجهمية، وتبعهم على ذلك المعتزلة والأشاعرة؛ ولذلك احتاجوا إلى تأويل هذه النصوص بما ذكره الحافظ، وهي تأويلات حقيقتها تحريف الكلم عن مواضعه؛ إذ ليس لهم من دليل عقلي ولا نقلي يوجب صرف هذه النصوص عن ظاهرها إلا ما هو من جنس حجة الجهمية في نفي جميع الأسماء والصفات، وهي حجة داحضة، ومذهب ظاهر الفساد.

وأما قوله: "وقيل: الإتيان فعل من أفعال الله تعالى يجب الإيمان به مع تنزيهه ... إلخ": فيحتمل أنه حكاية لمذهب أهل السنة المثبتين لحقيقة الإتيان كما تقدم، ويحتمل أنه حكاية لمذهب أهل التفويض من النفاة؛ وهم الذين يثبتون اللفظ ويفوضون المعنى، وهو مذهب باطل كمذهب أهل التأويل؛ فإنهما يقومان على النفي والتعطيل.