١٦٣ – قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (١٣/ ٤٩٦): "والذي أقول: إن غرضه في هذا الباب ما ذهب إليه: أن الله يتكلم متى شاء، وهذا الحديث من أمثلة إنزال الآية بعد الآية على السبب الذي يقع في الأرض، وهذا ينفصل عنه من ذهب إلى أن الكلام صفة قائمة بذاته".
وذلك في كلامه على حديث رقم ٧٥٢١، كتاب التوحيد، باب ٤١.
ــ التعليق ــ
قال الشيخ البراك: لا ريب أن ما قاله الحافظ عن غرض البخاري في هذه الترجمة أظهر من قول ابن بطال للوجه الذي ذكره الحافظ، ولا ريب أن مذهب البخاري أن الله تعالى يتكلم متى شاء. ووجه استدلال البخاري على هذا بالحديث أن الآية نزلت بعد تحاور أولئك النفر، وهذا يتضمن أن الله تكلم بها حينئذ.
وقول الحافظ:"وهذا ينفصل عنه من ذهب إلى أن الكلام صفة قائمة بذاته": معناه أن المخالف للبخاري في مذهبه يجيب عن استدلاله بأن الآية نزل بها الملك من اللوح المحفوظ أو من بيت العزة، لا أنه سمعها من الله تعالى. وهذا الجواب أصله الأثر المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما:"إن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم أنزل إلى الأرض نجومًا"، ولكن الذي عليه أهل السنة أن الروح الأمين جبريل عليه السلام ينزل بالقرآن من الله تعالى، وأن الله يكلمه به؛ كما قال تعالى:"قل نزَّله روح القدس من ربك" وقال سبحانه: "تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم" ولا منافاة بين هذا وبين كون القرآن مكتوبًا في أم الكتاب. وفي تعبير الحافظ عن مذهب المخالف للبخاري ما يوهم أن مذهب البخاري يقتضي أن كلام الله ليس قائمًا به، وهذا خطأ، بل يقول إنه قائم به بمشيئته؛ فهو فعل من أفعاله سبحانه. والمذهب المناقض لمذهب البخاري هو قول من يقول: إن كلام الله تعالى قديم لا تتعلق به المشيئة؛ كما هو قول الكلابية والأشاعرة.