١٣٣ - قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (١٣/ ٤١٦):" قال البيهقي: صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة عبارة عن القبول، وعروج الملائكة هو إلى منازلهم في السماء، وأما ما وقع من التعبير في ذلك بقوله: "إلى الله" فهو على ما تقدم عن السلف في التفويض، وعن الأئمة بعدهم في التأويل، وقال ابن بطال: غرض البخاري في هذا الباب الرد على الجهمية المجسمة في تعلقها بهذه الظواهر وقد تقرر أن الله ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه فقد كان ولا مكان وإنما أضاف المعارج إليه إضافة تشريف ومعنى الارتفاع إليه اعتلاؤه مع تنزيهه عن المكان ... ".
وذلك في كلامه على كتاب التوحيد، باب ٢٣.
ــ التعليق ــ
قال الشيخ البراك: فيما نقله الحافظ ابن حجر في شرح هذا الباب عن البيهقي وابن بطال تخبط وحيرة في فهم النصوص والآثار الدالة على علو الله تعالى على خلقه؛ فإن كلامهما يقتضي نفي علو الله على خلقه، فعلى هذا يجب عندهم في هذه النصوص: إما التفويض؛ وهو الإعراض عن فهمها مع اعتقاد بأن الأمر بخلاف ظاهرها، وإما التأويل. ويزعمون أن التفويض هو طريقة السلف. وهذا باطل؛ فالسلف من الصحابة والتابعين يتدبرون القرآن كله ويفهمونه كما أمرهم الله، ويؤمنون بما دلت عليه الآيات والأحاديث من صفاته تعالى.
وحقيقة التأويل - وهو طريقة أكثر النفاة - صرف الكلام عن ظاهره إلى غيره بغير حجة توجب ذلك، وهذه حقيقة التحريف، ومن ذلك قول البيهقي:"صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة عبارة عن القبول"، ومعنى ذلك أنه لا يصعد إلى الله شيء، وكذا قوله:"وعروج الملائكة هو إلى منازلهم في السماء"، ومعنى ذلك أنهم لا يعرجون إلى الله.
وكذا قول ابن بطال:"وإنما أضاف المعارج إليه إضافة تشريف"، ومعناه أن الملائكة لا تعرج إليه حقيقة؛ لأن الله - عنده - ليس في السماء، وعبر عن ذلك بقوله:"وقد تقرر أن الله ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه؛ فقد كان ولا مكان"، وهو يريد بذلك نفي أن يكون الله بذاته فوق المخلوقات ومستويًا على العرش، ولكن هذه الألفاظ الواردة في عبارته ألفاظ مبتدعة مجملة لا بد فيها من التفصيل والاستفصال؛ لأنها تحتمل حقًا وباطلاً. نعم الله سبحانه لا يحتاج إلى شيء من مخلوقاته: لا مكان ولا غيره. وإذا كان سبحانه فوق مخلوقاته على عرشه فلا يلزم من ذلك أن يكون مفتقرًا إلى العرش، ولا أنه يحيط به شيء من الموجودات، بل هو سبحانه فوق جميع الموجودات، وهو الممسك بالعرش وما دون العرش.
وقول ابن بطال:"ومعنى الارتفاع إليه: اعتلاؤه مع تنزيهه عن المكان" كلام فيه قلق؛ فإنه فسر ارتفاع بعض المخلوقات إليه باعتلائه فأضاف إليه ما هو مضاف إلى المخلوق.
وقوله:"مع تنزيهه عن المكان" فيه ما تقدم من الإجمال، وإرادة نفي علو الله تعالى بذاته فوق خلقه، وهذا هو المعنى الباطل المنافي لدلالة الكتاب والسنة والعقل والفطرة، والله أعلم.