للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

( ... ) (١)، ومضى علي هذا مدة نحو من خمسة وثمانين يوماً، فجرى بيني وبين فقير آخر شيء من الكلام من جنس ما جرى بيني وبين ذلك الرجل، فنمت تلك الليلة فرأيت الشيخ تقي الدين وهو على صورة طائر أخضر عظيم المنظر أكبر من الطاووس، فقال لي: يا فلان أما حفظت الذي كتبت لك، فعرفت أنه الشيخ تقي الدين، فقلت: يا سيدي والله ما حفظت منه إلا قولك: صحح تصح، فقال لي: قل:

صحح تصح لك الأمور جميع ... إياك عن طرق الهداة تضيع

وامحوا واثبت ما تحقق يا فتى ... إن الإله على القلوب طليع

لا تصحبن الأرذلين فإنهم ... يوم التغابن جيلهم مقطوع (٢) " (٣).

وما أشار إليه جمال الدين السرمري رحمه الله في هذه الرؤيا من منع التوسل بغير الله من المخلوقين هو منهج أهل السنة والجماعة في هذا المسألة كما سيأتي بيانه.

لكن الإشكال ورود في المقابل بعض الألفاظ الموهمة في كلام جمال الدين السرمري، والتي ظاهرها التوسل الممنوع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبآله - رضي الله عنهم - والاستعانة بهم في حصول المنفعة ودفع المضرة، كقوله في النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"يا خيرة الرسل ويا من له ... في حضرة القدس المحل الرفيع

أنت المُرَجَّى لدفاع الأذى ... وكل خطب للبرايا فظيع" (٤).

وهذا غلو بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، بزعم أن دفع الأذى يكون بالتوسل بذاته - صلى الله عليه وسلم -.

وقد يكون تأثر في ذلك بالشيخ يحيى الصرصري (٥) رحمه الله، وبخاصة إذا رجحنا أن ثناء


(١) كلمة غير واضحة.
(٢) ذكرت هذه الأبيات أيضاً في آخر (جامع الرسائل لابن تيمية) المجموعة الأولى ص ٢٩٠، تحقيق: محمد رشاد سالم، ١٤٠٥، دار المدني، جدة.
(٣) منامات رؤيت لشيخ الإسلام ابن تيمية (مخطوط) ورقة: ٢ ب. وقد ذكر ابن ناصر الدين الدمشقي أنه وجد بخط السرمري ستة منامات رؤيت لشيخ الإسلام ابن تيمية، انظر: الرد الوافر ص ٢٣٣، تحقيق: زهير الشاويش.
(٤) المولد الكبير للبشير النذير - صلى الله عليه وسلم - (مخطوط) ورقة: ١ ب.
(٥) هو يحيى بن يوسف بن يحيى الصرصري، الفاضل المادح الحنبلي الضرير البغدادي، معظم شعره في مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، توفي سنة ٦٥٦. انظر: الذيل على طبقات الحنابلة (٤/ ٣٢)، البداية والنهاية (١٣/ ٢٤٤).

<<  <   >  >>