للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجاوز به حده، ولا أعلو به عن مستواه، ولكني رجل أتعصب لديني ولغتي أشد العصبية، وأعرف معنى العصبية وحدَّها، وأن ليس معناها العدوان، وأن ليس في الخروج عنها إلّا الذل والاستسلام، وإنما معناها الاحتفاظ بمآثرنا ومفاخرنا، وحوطها والذود عنها، وإنما معناها أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأعرف أنه "ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلَّا ذلوا" وقد والله غزينا في عقر دارنا، وفي كل ما يقدسه الإسلام ويفاخر به المسلمون.

وكان قومنا ضعافًا، والضعيف مغرى أبدًا بتقليد القويّ وتمجيده، فرأوا من أعمال الأجانب ما بهر أبصارهم؛ فقلدوهم في كل شيء، وعظموهم في كل شيء، وكادت أن تعصف بهم العواصف، لولا فضل الله ورحمته.

غر الناس ما رأوا من إتقان مطبوعات المستشرقين، فظنوا أن هذه خطة اخترعوها، وصناعة ابتكروها، على مثال سابق، ليس لهم فيها من سلف، ووقع في وهمهم أن ليس أحد من المسلمين بمستطيع أن يأتي بمثل ما أتوا، بَلْهَ أن يبزهم، إلاَّ أن يكون تقليدًا واتباعًا، وراحوا يثقون بالأجنبي، ويزدرون ابن قومهم ودينهم؛ فلا يعهدون له بجلائل الأعمال وعظيمها، بل دائمًا: المستشرقون! المستشرقون! !

ويلقى الأجنبي منهم كل عون وتأييد، إلى ماله في قومه وبلاده من عون وتأييد، وقد يلقون للمسلم والمصري فضلات من الثقة على

<<  <  ج: ص:  >  >>