علماؤهم جميعًا عن هذا المصدر الواضح النقي يصدرون، وكانوا كلهم بهذا مجتهدين.
ثم ضعفت النفوس والهمم، فظن بعضهم - عفا الله عنهم - أنهم يعجزون عن أخذ الأحكام من مصدرها الأول ومن منبعها الصحيح، فصار بعض العلماء يقلد مَن سبقه من أئمة الهدى وأعلام الإسلام، عن غير أمر منهم أو مشورة، بل مع نهيهم - رضي الله عنهم - عن التقليد.
فكان هذا بدء الضعف، ثم توالت العصور، فإذا المقلد مقلَّد، وإذا الأمر فوضى، وإذا هم فرق وشيع، وبلغ بهم الأمر إلى التناحر بالسيوف نصرًا لعصبية المذاهب!
وأمامك تاريخ المسلمين، فسترى فيه توالي الأرزاء والمحن، فكلما بعدوا عن كتاب ربهم أبعد الله عنهم العز والنصر، وهكذا كان ميزان رقيهم وانحطاطهم.
ولما ضعفت السليقة العربية في المتكلمين بهذه اللغة، أنشأ علماء الإسلام يفسرون لهم كتاب الله، وكلٌّ على قدر همته، فكثرت أنواع التفاسير للسلف والخلف، متقدمين ومتأخرين، وتراجم العلماء والأئمة بين أيدينا - أو أكثرها - وقد يندر جدًّا أن نجد منهم مَن لم يؤلف كتابًا في التفسير، فلم تُعْنَ أمة بكتابها من الوجهة العلمية بمثل ما عنيت الأمة الإسلامية بالقرآن، ولم تفرط أمة في حفظ ما كُتب شرحًا لكتابها بمثل ما فرطنا، فأين هذه التفاسير الجليلة للأئمة المتقدمين؟ !