ولا يضن بجهد ولا وقت ولا مال، حتى يتم طبع الكتاب في أوائل سنة ١٩٤٥ "راجيًا أن يكون قربانًا للأدب وخدمة لحلب، وزكاة للعلم، وأحتسب عند الله ما أنفقت في سبيله من شباب وجهد"(ص ٦٢٣ - ٦٢٥).
وأبو فراس شاعر رقيق العاطفة، عذب اللفظ، قوي العارضة، جزل فصيح، وهو عربي النسب والدار، فارس محارب، غاض الغمار، ولقي الأخطار، ووقع في الإسار، في شهر شوال سنة ٣٥١، ونقل إلى القسطنطينية، فأكبر فيه الروم البطولة والصراحة والنفس العربية، فأكرموه إكرامًا لم ينله أسير قبله، وأعطاه ملكهم دار البلاط الإمبراطوري (وهو قصر كبير على البحر)، وخصص له خادمًا يقوم بأمره، وأذن له فيما يشاء من الثياب والسلاح، وكان لهذه الفترة من حياته أبلغ الأثر في شعره، حتى يقول الدكتور الدهان (ص ١٧ من التقدمة): "هذا كله شعر شامي، جميل صادق، جزل فصيح، سهل لين، قد نجد لصوره وتعابيره مثيلًا فيما سبق من أدباء، ومر من شعراء، ولكنه لا يشبه في شيء هذه "الروميات" التي نظمها خلال أسره، ففجرت من نفسه عيونًا، وخلدته على الزمان، فيها شكوى العليل الذي لا يحس حوله بعطف قريب، أو عناية حبيب، تطول عليه الساعات، وتمتد به الأيام، وتتأخر عنه الكتب، فيشتاق منازل الشباب وملاعب الصبا، ويرثي لهذه العجوز العليلة [يريد أمه] التي يقلقها ذكراه".