عن رأيه في أمر قد نظر إليه من جانب واحد، هو جانب الاتهام، ولعله لو قد سمع الطرف الآخر - طرف الدفاع - ونظر إلى الأمر من الجانبين، كما نظر إليه أبو بكر، لانتهى إلى ما انتهى إليه حكم أبي بكر. وفي مثل هذا تختلف أنظار القضاة، ويختلف اجتهاد المجتهدين، في وزن الأدلة، وتقدير البراهين. فلن تكون كلمة عمر وحدها حجة على خالد، تثبت عليه إجرامًا لم يثبت عند الحاكم، وقد برَّأه الحاكم مما نسب إليه، ولن تكون كلمة عمر وحدها حجة على أبي بكر، حتى يُتهم بالتهاون في شأن جرم يوجب الحدّ أو القصاص، وبأنهُ كان يتزمَّت في تطبيق التشريع على العامة والدهماء، ولا يتزمَّت في تطبيقه على النوابغ والعظماء! ! كفعل ساسة هذا العصر!
ومع هذا كله، فإن عمر رجع عن كل ما كان يظن بخالد وينسبه إليه، فقد روى ابن سعد في الطبقات الكبير (٧/ ٢/ ١٢١) بإسناد من أصح الأسانيد التي يصححها المحدّثون في رواية السنَّة أنهُ: "لما مات خالد بن الوليد قال عمر: يرحم الله أبا سليمان، لقد كنا نظن به أمورًا ما كانت". وليس بعد هذه الشهادة شهادة، من رجل كان من أشدّ الناس قسوة على خالد، وكان لسان الاتهام في هذه الوقعة بعينها. رضي الله عنهم جميعًا.
وبعد؛ فإن كتاب المؤلف لا يزال مع هذا كتابًا قيمًا، جديرًا بما نال من تقدير، أفدنا منهُ فوائد جمة، وأعجبنا بكثير من أبحاثه، ووقفت عند كثير من روائعه، مغتبطًا متذوقًا ما فيها من بلاغة، مهتزًّا