الشهوات، وتنتهي بها إلى الإباحية ثم إلى الانحلال، كما انحلت فرنسة وغيرها من الأمم، بما استرسل كبراؤهم وزعماؤهم في التبذل والترف، وتبعهم العامة والدهماء {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٦)} [الإسراء: ١٦]. ومعاذ الله أن نظن مثل ذلك بالصدر الأول من الصحابة والتابعين، عهد أبي بكر وعمر، وسيرهم معروفة، وآثارهم مشاهدة، وفضلهم على العالم كله لا ينكر.
وليت المؤلف الفاضل يشرح لنا في هذا الأمر وجهة نظره، ويبين لنا لحساب من يقرأ هذه النظرية الخطرة المدمرة؟ !
أما قسوة عمر في اتهام خالد عند أبي بكر، فإنها قسوة الرجل العادل الحازم، لم يشهد الأمر بنفسه، ولم يكُ قاضيًا فيه، إنما بلغهُ أمر، فكان لسان الاتهام يقرّر ما سمع، ويعرضه على الخليفة ولي الأمر، والخليفةُ بما يملك من سلطة القضاء، سأل خالدًا عما نسب إليه، وسمع قول أبي قتادة وغيره، ثم حكم بما استبان له، فعذرَ خالدًا، ولم يجد في عمله موضعًا للقصاص، ولا موجبًا للحدّ. فكان حكمًا قاطعًا، لا يجوز لعمر ولا لغيره أن يستأنف النظر فيه، ولذلك قال لمتمم في خلافته:"لا أرد شيئًا صنعهُ أبو بكر. فقال متمم: قد كنت تزعم أن لو كنت مكان أبي بكر أقدته به. فقال عمر: لو كنت ذلك اليوم بمكاني اليوم لفعلتُ، ولكني لا أرد شيئًا أمضاهُ أبو بكر". وما نظن عمر يفعل ما كان يريد لو كان خليفة ذلك اليوم، إنما هو يبين