البخاري مات سنة ٢٥٦، أي منذ أكثر من ألف ومائة سنة، وأن ابن سعد ألف كتاب "الطبقات الكبير" وقد طبع ما وجد منه في أوربة في ثمانية مجلدات ضخام، وأن ابن سعد مات سنة ٢٣٠، أي قبل البخاري بستة وعشرين عامًا.
فما يثلج صدرنا حقًّا أن يعني شبابنا الباحثون بهذا الفن الجليل، وأن يخرجوا فيه الكتب الممتعة، والدراسات الجيدة، مرة يجيدون، ومرة غير ذلك، ولكنهم على السبيل، ثم لا يلبثون أن يصلوا، وأن يحيوا مجد السلف الصالح.
وقد قرأت هذا الكتاب "الخطيب البغدادي" الذي ألفه الأستاذ يوسف العش، ترجمة لهذا المؤرخ المترجم العظيم، فأعجبني حقًّا؛ أعجبني ما فيه من تعمق في البحث، واستقصاء للمراجع، وتحقيق وتحليل، وإرجاع كل شيء إلى مصدره، حتى لا يضل القارئ، ولا يشك فيما ينقل له. وهذه مهمة، فإني أرى أن كثيرًا من المؤلفين في هذا العصر، يضلون القارئ بذكر مراجع كثيرة ذكرًا إجماليًّا، ثم لا يسندون ما ينقلون إلى مواضعه من المراجع، فلا تكاد تتعقبه، ولا تكاد تعرف أنقل حقًّا أم أخطأ عن غير عمد، أم شيئًا آخر لا أحب أن أسميه. أما الأستاذ يوسف العش فإنه اتبع الطريق القويم.
ولقد وصف صديقنا الأستاذ أحمد بك أمين هذا الكتاب وصفًا جيدًا حين عرضه للقارئ في مقدمته: "ستشهد في هذا السفر صورة موجزة عن عصر متوسط من عصور الإسلام، وترى فيه حياة محدث