وقد ظننت حين تصفحت الكتاب لأول مرة، أن في المؤلف ميلًا إلى الشك في صحة الأحاديث الصحيحة عامة، وصارحت المؤلف بذلك؛ إذ تعرفت إليه مصادفة في مكتب صديقنا الأستاذ محمد علي الطاهر صاحب جريدة الشورى، وتحدثنا في هذا كثيرًا، وأنكر المؤلف ما ظننته إنكارًا واضحًا، ولكني كلما قرأت في الكتاب ازددت ثقة بما ظننت، حتى خيل لي أنه إنما تأثر بما قرأ للمستشرقين وأتباعهم، فكانت الكلمات تجري على لسانه على نحو أقوالهم، وعلى نحو ما نسمع من ناصريهم وذيولهم.
فمما يقول المؤلف (ص ٢٣٩) ليدل على أن لغة القرآن أصدق صورة للغة ذلك العصر: "فهو من جهة فوق كل مظنة أو شبهة في أنه وصل إلينا كما بلغه النبي، وهو من جهة ثانية الكلام الوحيد الذي وصل إلينا مدونًا وسليمًا من كل شائبة وشك من ذلك العصر، في حين أننا لا نستطيع أن نقول هذا القول بهذه القوة والجزم عن أي كلام مما روي من كلام ذلك العصر والبيئة؛ لأنه لم يدون إلا بعد مدة طويلة، وقد ظل طول هذه المدة تتناقله الألسن، وعرضة للتبديل والتحريف والزيادة والنقص، بل والتلفيق والصنع، والأهواء والأغراض".
ويقول في مقدمة الكتاب حين يتحدث عن كتب السيرة القديمة: "وإن ما ورد فيها من روايات قد اختلط حابله بنابله، وسمينه بغثه،