وأنكرته؛ فقد رأيته معيبًا كما رأى العائب، وقادحًا كما فعل القادح، فما حاجتك إلى التستر وراءه، وماذا يمنعك أن تصرح بأن هذا العمل غير جائز، وأنك توافق في استنكاره من سبقك من المستشرقين؟
هذا هو الطريق المنطقي للبحث العلمي، العالمُ لا يدافع عن نظرية علمية، ولا ينصرها إلَّا إذا رآها رأيهُ والتزمها قوله. ثم أَلم يكن الأجدرُ بالكاتب الجريء أن يصنع ما يصنع الرجالُ، فيصرح بإنكار كل الأحاديث التي فيها سن عائشة، وينقدها على طريقة المحدثين، فيبين ضعف أسانيدها وبطلان روايتها إن استطاع، فذلك خير له من تأويلها وتحريفها والتزيد فيها، ثم مناقضته نفسه بالاحتجاج ببعض ألفاظها على أسلوب عائشة المرسل السهل الجزل الفصيح (ص ٥٧ - ٥٨) كما استدرك عليه الدكتور بشر في نقد كتابه.
وبعدُ مرة أُخرى .. فإن شريعتنا شريعة الإسلام، أباحت تزويج البنات الصغار، وجعلت تزويجهنَّ للأَولياء، بدليل زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعائشة وبنائه بها وهي دون العاشرة، وبدليل قول الله تعالى في سورة الطلاق:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}[الطلاق: ٤]. فاللائي لم يحضن هنَّ الصغيرات اللائي لم يأتهن الحيض، وهنَّ دون البلوغ عليهنَّ عدَّة ثلاثة أَشهر إذا طلقن، ولا يكون طلاق وعدة إلَّا بعد زواج، أليس كذلك؟ فمن رضي هذه الشرعية لم ينكر ولم يعبأ بقول العائبين المغرضين، ومن أبى {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس: ٩٩].