ولعل الباشا رجع فيما تعرف من القراءات وتوجيهها، لا إلى علم علماء الإسلام، ونقلهم ومؤلفاتهم، وإنما رجع إلى آراء المستشرقين، ونظرياتهم في القرآن والقراءات؛ فهم يرون أن كل علماء الإسلام وقراء القرآن كاذبون مفترون، اخترعوا هذه الروايات وهذه القراءات توجيهًا لما يحتمله رسم المصحف، تشكيكًا منهم في هذا الكتاب المحفوظ بحفظ الله، وتكذيبًا للوعد بحفظه، وبأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وثأرًا من المسلمين باتهامهم بالتحريف، كما اتهم الذين من قبلهم بأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه.
ونظرية المستشرقين أوضحها أحدهم، جولدزيهر اليهودي المجري في كتاب (المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن) الذي ترجمه أخونا الأستاذ الشيخ علي حسن عبد القادر ونشره في هذا العام (ص ٣ - ٤) قال: (وهذه القراءات المختلفة تدور حول المصحف العثماني، وهو المصحف الذي جمع الناس عليه خليفة المسلمين عثمان بن عفان، وأراد بذلك أن يرفع الخطر الذي أوشك أن يقع في كلام الله في أشكاله واستعمالاته، وقد تسامح المسلمون في هذه القراءات، واعترفوا بها جميعًا على قدم المساواة، بالرغم مما قد يفرض من أن الله قد أوحى بكلامه كلمة كلمة، وحرفًا حرفًا، وأن مثله من الكلام المحفوظ في اللوح، والذي نزل به الملك على الرسول المختار، يجب أن يكون على شكل واحد وبلفظ واحد، وقد عالج هذا الموضوع بتوسع نولدكه في كتابه تاريخ القرآن. والقسم الأكبر من هذه القراءات يرجع بسبب في ظهوره إلى خاصية الخط