كل حرف والنطق به، على اختلاف اللهجات والروايات، حتى إنهم وزنوا نطق الحروف بموازين معروفة في كتب القراءة وكتب التجويد، وحتى إنهم ليقيسون التنفس في أحرف اللين وأحرف المد بما اصطلحوا على تسميته بالحركات، إلى غير ذلك من طرق الاحتياط والتوثق.
فلم يكن عجبًا من المستشرقين وقد جهلوا ذلك كله وغلبهم ما وصفنا، أن يختاروا هذا الوجه، وأن يجزموا بأن هذه القراءات نشأت عن الرسم العربي المهمل من النقط والشكل.
وأما المسلمون فقد أيقنوا بالوجه الآخر الصحيح، أن القراءات هي الأصل، وأن الرسم تابع لها مبني عليها، أعني أنهم عرفوا مما جاءهم من الحق بالتواتر القطعي الثبوت أن رسول الله قرأ القرآن على أصحابه وأقرأهم إياه بقراءات متعددة النطق والأداء، كلها حق منزل عليه من عند الله، وكلها موافق للغة العرب ولهجات القبائل، حفظًا له وتيسيرًا عليهم، وأنهم سمعوا منه وقرؤوا عليه شفاهًا وحفظًا في الصدور، ثم أثبتوا ذلك عن أمره كتابة وتقييدًا، وأنه قال لهم:"إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر". فأدوا ما سمعوا كما سمعوا وكما قرؤوا، مفصلًا موجهًا بأوجهه في الأداء والتلاوة، لم يزيدوا ولم ينقصوا، وأنهم كتبوا ما سمعوا وما حفظوا على هذا الرسم الذي رسموا، ليكون مؤديًا كل الأوجه التي عرفوا، والتي أذن لهم في القراءة بها، حتى إنه لو كان للرسم العربي عندهم إذ ذاك وجه